سلايدات

«اليونيفيل» إن «نطقت» أو «اعترفت» فمن ينجو منها؟

كتب جورج شاهين في الجمهورية:

لا تعير قيادة قوات «اليونيفيل» ما يعتقده البعض من اهتمام لمسألة التمديد السنوي لولايتها ابتداءً من 31 آب المقبل. وهو لا يعني أنّها لا تتابعها، لأنّها لا تتصرّف إلّا وفق قواعد السلوك التي رسمها مجلس الأمن لها. ولذلك فهي بالإضافة إلى مهمّاتها التقليدية، تنفّذ ما كُلّفت به بموجب تفاهم 27 تشرين الثاني 2024، وتسعى بكل طاقتها إلى إنجاح مهمّة اللجنة الخماسية المكلّفة تطبيقه، طالما أنّها في ضيافتها. إلّا أنّ ذلك كله لا يحول افتراضياً دون أن يكون لها موقف مما يجري. وهي إن نطقت أو اعترفت ما الذي تقوله؟

ليست المرّة الأولى التي تعيش القوات الدولية المعززة («اليونيفيل») حجم الضجيج الذي يرافق المرحلة القريبة من نهاية ولايتها على أكثر من مستوى داخلي أو إقليمي أو دولي وأممي. فهي تراقب وتحصي وتدقق في كل تفصيل، كما في المهمّات التي تقوم بها وتُحصى بالمئات يومياً، مهما تنوعت على مختلف المستويات العسكرية والأمنية والاستعلامية واللوجستية والصحية والاجتماعية والمالية المعنية بضباطها وجنودها ممثلي عشرات الدول المنضوية تحت علمها، وهي اليوم في حدود الـ 40 دولة، يعود إليها أكثر من 10 آلاف ضابط وجندي، بعدما كانت تضمّ قبل سنوات من يمثل 48 دولة. وهي تنتشر في ثلاثة قطاعات جنوبية تمّ تقسيمها وفق خطة الانتشار على مرّ السنوات السابقة على قياس المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني ومن البحر إلى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا عند مثلث الحدود اللبنانية – السورية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبالإضافة إلى حجم الخدمات الداخلية من ضمن تركيبة هذه القوات، فهي تقوم بمهمات موازية مع القوى الزميلة والرديفة لها في مهمّتها. وهي على تنسيق يومي على أعلى المستويات مع قيادة الجيش عبر ممثل دائم لها لدى هذه القوات. وهي تنسق في كل مهمّاتها مع بضعة آلاف من ضباط وعناصر الجيش اللبناني ومخافر قوى الأمن الداخلي ومراكز الأمن العام وأمن الدولة والبلديات والهيئات الإدارية، بدءاً بالمحافظين والقائمقامين ورؤساء الدوائر كافة. كما أنّها على تنسيق مبرمج مع هيئات أممية أخرى تابعة لمجلس الأمن الدولي، ومنها فريق المراقبين المكلّفين مراقبة ما سُمّي الخط الأزرق، وهي على تواصل روتيني دائم وتقليدي مع قوات «الأوندوف» المكلّفة برعاية وتنفيذ خط النار عند حدود المنطقة العازلة القائمة منذ حرب العام 1973، وهي مناطق تعايشت معها «اليونيفيل» لسنوات طويلة وتشاركت مع سكانها من الجنسيات المختلفة كل الأزمات المعيشية والاجتماعية التي عاشها اللبنانيون والسوريون، وتواكب همومهم اليومية على مختلف المستويات

 

لا تقف مهمّات «اليونيفيل» عند هذه المعطيات، فهي باتت تشكّل نسيجاً من مجتمع متعدّد الجنسيات، يعيش خبراته مع المجتمع اللبناني في مختلف المحطات، بطريقة شاركت فيها بمعاناته في الشدائد كما في الأيام الهانئة، وفي الحروب كما في القلاقل الداخلية، بالنظر إلى وجودها من ضمن الأراضي اللبنانية من دون أن يكون لها أي موطئ قدم لجندي على الأراضي الفلسطينية المحتلة، على رغم من المهمّة التي كُلّفت بها للفصل بين عدوين هما لبنان وإسرائيل، وهي تكتفي بمكتب تمثيلي يتمركز فيه ضباط دوليون في القدس، وكادت إسرائيل ان تقفله أكثر من مرذة.

 

وإن شاءت «اليونيفيل» أن تقارب المواقف المحتدمة حيال مهمتها، سواء تلك التي ترحّب بها او تدعو إلى إنهاء مهمتها، فهي لا تدير الأذن إلى أي منها، ولا تلتزم سوى بقرارات مجلس الأمن الدولي التي تحدّد قواعد السلوك الخاصة بها، ويتمّ تعديلها من وقت لآخر. وهي وإن رفضت اعتراض الأهالي على قيام أي دورية من دورياتها من دون مرافقة الجيش، تعرف انّ قرار التمديد لها عام 2022 ألغى شرط مواكبة الجيش لها، على رغم من انّها تراجعت عنه في وقت لاحق، وقبلت بالمواكبة إن كان الجيش قادراً على تغطية المشاركة في مئات المهمّات اليومية التي تقوم بها بالنظر إلى قلة العدد. وهي تذكّر من نسي من اللبنانيين، انّ لبنان فاته التعديل في حينه، وحّمل المسؤولية إلى بعثة لبنان في الأمم المتحدة، وأنهى خدمات كبيرة موظفيها لهذا السبب، ولم يتمكن لبنان من تعديل القرار المعدّل بعد العام 2023. ومن يواكب الحملة الديبلوماسية التي قادها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب في العامين الماضيين يدرك هذه الحقيقة.

 

وعليه، فإن نطقت «اليونيفيل» فهي تدعو على الأقل كلاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة «حزب الله» ونواب الجنوب من كتلتيهما «الوفاء للمقاومة» و»التنمية والتحرير»، إلى التعميم على عناصرهما لفهم هذه المهمّة وإدراك مضمونها على من يهاجمونها من «جيش الأهالي» يومياً ويرفعون علمي الحركة والحزب على آلياتها التي لا تحمل حتى العلم اللبناني إلى جانب «العلم الأزرق» الذي يرفع راية مهمّة السلام التي تقوم بها.

 

وإلى من يسأل عن ملاحظات الجانبين الأميركي او الإسرائيلي، تردّ «اليونيفيل» – إن حكت – إن صح القول إنّهما يسعيان إلى تعديل مهمّاتها او إنهاء خدماتها. فهما والعالم أجمع يدركون انّ ذلك لا يتمّ على أرض الجنوب، وإنّ أي تعديل في المهمّة والدور يتقرّر في مجلس الأمن الدولي كما بالنسبة إلى قواعد سلوكها. ولمن لا يكتفي بذلك يمكنه العودة إلى تفاهم 27 تشرين الثاني 2024 للتثبت من صحة التفويض الأميركي والإسرائيلي لهذه القوات بمراقبة تطبيق القرار 1701، وما قال به التفاهم بالتنسيق مع الجيش اللبناني. ولا ينسى أحد انّ هذه القوات تستضيف اللجنة الخماسية ورئيسها الجنرال الأميركي ونائبه الفرنسي، وهما يدركان حجم المهمّة التي تقوم بها ومعاونتهما لتنفيذ مهمّة لم ينجحا بعد في تنفيذها، وخصوصاً إن اعترفا بأنّ إسرائيل لا تعير هذه اللجنة أي أهمية في ظل وثيقة الضمانات الأميركية لها، التي تجاوزت في مضمونها ما سمحت به للدولة العبرية من أن تقوم به في لبنان، أهم وابرز أدوار ومهمات اللجنة الخماسية، بطريقة جعلتها غائبة عمّا يجري على الارض.

 

وإن كانت هذه الملاحظات تشكّل غيضاً من فيض ما تعيشه «اليونيفيل»، فالجميع يدرك انّها تلعب دور الصامت الأكبر عمّا يجري، طالما انّ توصياتها لم تُنفّذ، ولن يعي مجلس الأمن مصير قراراته والسهر على تنفيذها. ولو فعل ذلك لما كانت هناك حرب منذ العام 2023. فهي ومعها كل الدول كانت تراقب التحضيرات العسكرية والميدانية لـ «حزب الله» وإسرائيل للحرب منذ 13 آب 2006، الذي يشكّل اليوم التالي لصدور القرار 1701 ولم تردعهما. كما انّ «اليونيفيل» كذبت على نفسها عندما قالت إنّ الجانبين، اللبناني بالإنابة عن «حزب الله» وإسرائيل، ملتزمان بمقتضيات القرار الدولي على مدى 17 عاماً، قبل أن تقوم ومعها الجيش اللبناني بتفكيك اكثر من 500 مركز للحزب في نطاق عملها، وهو ما شرّع للإسرائيلي حربه على «اليونيفيل» بتهمة التواطؤ معه، وطالما انّها لم توقف الخروقات الإسرائيلية، ما سمح لـ«حزب الله» باتهام قواتها بالعمالة لإسرائيل.

 

وختاماً يمكن القول بكل صراحة إن نطقت «اليونيفيل» بمعاناتها واعترفت بمشاهداتها، فهل ينجو أحد من اتهاماتها في الداخل والخارج؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى