
كتبت ميريام بلعة في المركزية:
سنوات سِت مضت على الأزمة المصرفية، إن صحّ تسميتها سياديّة أو لا، ولا يزال الحلّ مركوناً في الخطط والدراسات والاجتماعات والجولات المكوكيّة… وما أكثرها إن على جبهة مجلس النواب والحكومة أو لجهة زيارات بعثة صندوق النقد الدولي إلى لبنان ولقائها المسؤولين بحثاً عن معالجة للوضع المصرفي عموماً ومشكلة الودائع خصوصاً… وحتى اللحظة لا تزال الدولة مُمسِكة بحِبال الهروب من تحمّل المسؤولية في توزيع الفجوة المالية.
تأخّر لا يبرّره سوى التسويف لتجنّب استخدام الدولة أيّاً من عائداتها للمساهمة في ردم الفجوة المالية! علماً أن البنك المركزي، وهو مصرف الدولة، يملك ما يقارب 45 مليار دولار من احتياطي الذهب! لماذا لا تتحرّك الحكومة لاستخدام هذا الاحتياطي، بدل وقوفها متفرّجة على شعب يموت ببطء، واقتصاد يئنّ من الجمود، ومصارف تنتظر الفرَج من أيّ صوب؟ في حين أن حاكم مصرف لبنان كريم سعَيد وضع خطة واضحة لحل الأزمة كما أنه منكَبّ على الغوص في الدراسات ومسودّات الحلول… وعلى رغم ذلك، نجده يتعرّض للمضايقة في كل يوم يحضر جلسات لجنة المال والموازنة النيابية، بدل أن تتبنّى الأخيرة خطته الإنقاذية.
فالمطلوب اليوم بإلحاح، الإسراع في ترجمة حلّ يفكّ أسِر القطاع المصرفي والمودِعين في آن، بما يُعيد الثقة إلى القطاع ويستعيد بالتالي دوره الريادي في جذب الأموال والاستثمارات وتمويل القطاع الخاص اللبناني، خصوصاً أن البلاد على أبواب موسم سياحة واصطياف حيث الإقبال الغربي والعربي كما الخليجي على الربوع اللبنانية، واعدٌ هذا العام. وما سينفقه السياح من كتلة نقدية تحتاج إلى مصارف تُدير العائدات السياحية التي تشكّل المورد الأغزر للاقتصاد بدون منازع.
في السياق، يُجمع كبار الاقتصاديين أن أزمة المصارف مُلحّة تستدعي المعالجة السريعة قبل مبادرة الدولة إلى إعادة الودائع إلى أصحابها وإعادة تحريك الدورة الاقتصادية… المعادلة واضحة: “لا دولة من دون اقتصاد، ولا اقتصاد من دون مصارف، ولا مصارف من دون مودِعين”. حلقة مترابطة لا يمكن معالجة إحداها دون الأخرى.
لاقتناص الفرصة
…لبنان اليوم أمام فرصة سانحة في ظل الدعم الدولي للعهد الجديد والتغيّرات الجيوسياسية، إلى جانب نيّة الدول الصديقة وفي طليعتها دول الخليج العربي لمساعدة لبنان… فرصة جديدة لمقاربة مختلفة لملف المصارف وتحديداً الودائع.
هذا ما يؤكده رئيس دائرة الأبحاث الاقتصادية والمالية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي الدكتور نسيب غبريل عبر “المركزية” ليذكِّر بأن “المصارف كانت المموّل الرئيسي والوحيد والأساس للاقتصاد اللبناني والقطاع الخاص في لبنان”، وعند معالجة الأزمة المصرفية، “تسهّل المصارف مشاريع الاستثمار وتسليف القروض، وتدفع قدماً بالنهوض الاقتصادي المأمول” على حدّ تعبيره.
ويرى في هذا الموضوع، أن “حلّ أزمة الودائع لا يكمن في خطط تنصّ على اقتطاع جزء من الودائع، بل في ضخّ السيولة الكافية في المصارف التجارية القابلة للاستمرار كي تتمكّن من:
– أولاً: تمويل الاقتصاد، وهذا ما يدخل في صلب أهدافها ومهامها، ولا سيما تمويل القطاع الخاص وليس القطاع العام بعد ما شاهدناه من تعثّر وسوء استخدام هذه الأموال…
– ثانياً: السماح للمودِع بأن يستخدم ودائعه بوسائل دفع ليس بالضرورة أن تكون نقدية، بل عبر الشيكات والتحاويل وبطاقات الدفع، لأن لا مصرف في العالم لديه ودائع على شكل سيولة جاهزة. وذلك مع الإبقاء على السحوبات الشهرية مع سقوف أعلى.
“فالمصارف كانت ولا تزال الوسيلة المفضّلة لدى القطاع الخاص لتمويل عملياته ومشاريعه واستثماراته” يقول غبريل، “أما عند الحديث عن مشاركة القطاع الخاص اللبناني في مشاريع إعادة الإعمار في لبنان كما في سوريا على نطاق أوسع، فمن الضرورة تفعيل العمل المصرفي في لبنان كونه حاجة اقتصادية وطنية حيوية للبنانيين عموماً وللشركات والمؤسسات والمستثمرين ورجال الأعمال خصوصاً. فهدف المصارف الأساس تمويل القطاع الخاص اللبناني، إن في الداخل اللبناني أو إذا ما أراد المشاركة في إعادة إعمار سوريا”.
ويشدد على أن “الإصلاح لا يتجزّأ، ويجب ألا يقتصر على القطاع المصرفي وحده، بل هو شامل في القطاعات الديبلوماسية والأمنية والقضائية والإدارية… والاقتصادية والمالية والمصرفية. كل ذلك معطوف على وجوب بسط سلطة الدولة على أراضيها كافة وحصر السلاح بيد السلطة المركزية”.
… في الخلاصة، لا انطلاقة للدورة الاقتصادية في ظل مصارف مشلولة قابعة في خانة التعطيل… فمَن يعرقل خطة الإنقاذ؟