سلايدات

بقاء “اليونيفيل” حماية للبنان

كتب غازي العريضي في المدن:

للأسف، سَكِرَ لبنانيون على تسريبات إعلامية تتحدث عن اتفاق أميركي- اسرائيلي لإنهاء مهمة “اليونيفيل” في الجنوب اللبناني، في سياق رفع مستوى الضغط على لبنان لتنفيذ كل ما تريده إسرائيل، التي لا تتوقف عن خرق قرار وقف العمليات العدائية، واستباحة الأجواء والأراضي اللبنانية، وممارسة هواية القتل واستهداف المدنيين، والقصف والتدمير من الجنوب إلى البقاع وضاحية بيروت.

وجود “اليونيفيل” قائم في الأساس بقرار دولي واتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان. أميركا هي الدولة التي تتحمل الحصة الأكبر في التمويل، من دون أن تكون مشاركة في القوات. تمارس ضغطاً سياسياً يصل إلى حد التهديد بوقف التمويل، في حال لم يحقق ضغطها النتيجة المرجوة. السؤال هنا: ما مصلحة لبنان في إنهاء عمل القوات؟ وبالأساس: هل كانت إسرائيل تريد وجودها أصلاً؟ هل تعاملت معها يوماً بإيجابية؟ كل الوقائع والدلائل والمؤشرات والممارسات العملية تؤكد عكس ذلك. إسرائيل هي المستفيد الأكبر والأول من عدم التجديد لمهامها. هكذا ينكشف الوضع أمامها. تبقى الساحة خالية لها من دون حسيب أو رقيب أو عين دولية عليها، على الأقل لإصدار بيان ينتقدها. يكشفها. يفضح ممارساتها. وتستضعف الجيش وتستهدف الأهالي. اليوم، الوضع أكثر صعوبة وخطورة بعد الذي جرى في الحرب ونتائجها. ووجود “اليونيفيل” أكثر من ضروري، إلى جانب الجيش الذي يقوم بدور كبير استثنائي، ويطمئن الأهالي في ظل العدوان الاسرائيلي المفتوح، ومنع الناس من العودة إلى ديارهم، ومنع إطلاق عملية إعادة الإعمار. فهل يعقل أن نذهب إلى مواجهتها، حتى لو ذهبت إلى خطوات لا تخرج عن السياق العام لمهامها، بعد التعديلات التي أضيفت إليها العام الماضي، وإن كان الأهالي يطمئنون إلى وجود الجيش إلى جانبها في دورياتها؟ والجيش اليوم يقوم بمداهمات ويتسلّم أسلحة ويبسط سيطرته على الأرض، وفقاً لقرار وقف الأعمال العدائية ومندرجاته.

نحن اليوم أمام مسؤولية وطنية كبرى، وبأمس الحاجة إلى هذه القوات. والرئيس نبيه بري المؤتمن على الجنوب وأهله ومعاناتهم وكرامتهم وأمنهم وسلامتهم واستقرارهم، ولا يهدأ في العمل من أجل تطبيق القرار وضمان عودتهم وبدء عملية إعادة بناء منازلهم، أعلن بوضوح: “أنا مع “اليونيفيل” ظالمة أو مظلومة”. لأنه يدرك تمام الإدراك أن إنهاء مهامها يعني كشف المنطقة بالكامل أمام إسرائيل، التي تريد دفع الجيش إلى مواجهة مع الأهالي، والإمساك بمفاصل القرار وحرية الحركة، تماماً كما كانت قبل التحرير، إلا إذا تحوّل الجيش إلى قوة شبيهة بما كان قائماً مع سعد حداد وانطوان لحد. وهذا غير وارد على الإطلاق. وأين تصبح معادلة “جيش وشعب”؟

من دون مواجهات مع “اليونيفيل”، إسرائيل ترفض تنفيذ القرار الذي وقعت عليه، وتستبيح وتعتدي على القوات الدولية وتتجاوزها. فهل يمكن أن يساهم بعضنا في إنجاح لعبتها من طريق الخطأ في إدارة حقه في الدفاع عن نفسه؟ ليست “اليونيفيل” من يهدد أبناء الجنوب. إسرائيل هي العدو الأساس. وإذا كان ثمة شعور بأي شيء مقلق، يمكن العودة إلى قيادة هذه القوات والجيش وكل مؤسسات الدولة. لكن حذار الوقوع في الفخ الإسرائيلي.

قبل المواجهة الأخيرة مع قوات “اليونيفيل” كانت حركة لافتة في أروقة الأمم المتحدة في نيويورك، ومشاورات مفتوحة لمناقشة تقرير عن دورها، تمهيداً لمناقشة قرار تجديد مهامها. ثمة ضغوط كبيرة في اتجاهين: إنهاء المهام. وهذا يبدو متعثراً لأسباب عديدة. أو الذهاب إلى تعديلها لتصبح أكثر قوة وتأثيراً. إسرائيل في قلب هذه المشاورات. هي تتصرف أنها المعني الأول في تجديد عمل قوات دولية على أرض على “حدودها”، تعتبرها بالممارسة منطقة أمنية، ترفض حتى الآن الانسحاب من نقاط محددة فيها، تسعى إلى توسّع أكبر، وتريد فرض كل إجراءاتها عليها “لضمان أمنها”. ولذلك قدمت تقريراً من 20 صفحة إلى الجهات المعنية، تتحدث عن الخروقات التي قام بها لبنان! وهذا اللبنان المسكين لديه توثيق لما يقارب الثلاثة آلاف خرق من قبل إسرائيل.
لذلك، لا يجوز التعامل مع ما نواجهه بانفعال وتوتر. ميزان القوى ليس لمصلحتنا. الوضع خطير وكارثي. نحن متروكون. معرّّضون لكل أشكال الضغط والابتزاز وتُطرح علينا شروط تقارب وضع اليد على البلد. حمايتنا وحدتنا الوطنية. تماسكنا. عقلنا الجماعي. أي خطأ في إدارة هذا الواقع يراكم الخسائر ويضعف البلد. الدبلوماسية اللبنانية. الحكومة اللبنانية. الدولة بكل مسؤوليها ومؤسساتها معنية بإدارة المعركة السياسية الدبلوماسية بأعلى درجات الحكمة والأمانة والمسؤولية الوطنية. المسألة لا تحتمل هنا خطاب كراهية أو حقد أو نظرات غضب في عيون بعضنا وعلى بعضنا.

فليعدّ لبنان ملفاً شاملاً موثقاً بالاعتداءات الاسرائيلية المستمرة، وبما أنجزه الجيش خلال فترة زمنية قصيرة. ولنقم بدورنا مع الدول المعنية محصنين بوعي شعبي وحزبي وسياسي ميداني على الأرض، يجنّبنا الأخطاء، يكرّس بقاء القوات الدولية، وحماية لبنان. آخذين بالاعتبار ما يجري في المنطقة بعد العدوان على إيران والحرب المفتوحة ونشوة نتانياهو الذي يقول: “أنا السيد”. والدعم الأميركي له غير محدود، ولن تكون النتائج في صالحنا. لذلك: إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا. واعتبروا. واصبروا واعملوا معاً، وفكروا بمغزى التسريبات الإسرائيلية عن أن “أذرع إيران سوف تقوم باجتياح بري للأراضي الإسرائيلية”، ثم الإعلان عن: “تجنيد المزيد من قوات الاحتياط من الجيش ونشرها على طول الحدود مع لبنان”. فهل تخطط إسرائيل لاجتياح بري يستهدف الأراضي اللبنانية والسورية؟ وهذا هو مشروعها الأساس الذي لم تخفه في كل المناسبات، لأنها تعتبر أن مهمتها لم تنته بعد ولم تحقق كل أهدافها. وتعبّر عن قناعتها بأن جزءاً من هذه الأراضي يجب أن يكون تابعاً للدولة اليهودية لأسباب عقائدية وتاريخية؟ إنه احتمال قائم وخطير ويستهدف كل لبنان وأمنه واستقراره وسيادته، ويأتي في سياق مشروع تغيير الشرق الأوسط، ويشكل عملية إطباق علينا من كل الجهات.

كلام موجه إلى القوى السياسية من دون استثناء، كل من موقعه بحجم دوره ومسؤوليته وطريقة إدارة الأمور. لبنان لنا جميعاً. إنقاذه مسؤولية جماعية وطنية. والعملية لا تتحمّل تهوراً أو انفعالاً أو استهتاراً أو عنتريات كلامية. فالمعارضة الاسرائيلية تعلن وقوفها إلى جانب الحكومة لحماية أمن الاسرائيليين، وتؤكد وحدة الموقف حول هذا الهدف. فهل نتعظ؟

طموح “السيد” نتنياهو وضع يد إسرائيل وقرار إسرائيل فوق رؤوس الجميع، فهل ثمة وطني وعاقل يقبل ذلك لتصفية حساب في زواريب البلد، الذي لا يمكن لأحد أن يلغي أحداً آخر فيه؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى