
كتب د. نبيل خليفه في نداء الوطن:
أولها، موقع المنطقة على خريطة العالم. وهذا الموقع الذي هو أهم مكونات الأهميّة الاستراتيجيّة للدولة كل دولة، والموقع في نظر فریدریش راتزل مؤسس الفکر الجيو-سياسي هو أهم مميّزات الوجود الجغرافي، خاصة وأنه يمتلك ميزات جغرافية هي ذات قيَم ثابتة ومستمرّة عبر التاريخ.
فالشرق الأوسط هو المنطقة الجغرافية الوحيدة على الكرة الأرضية التي كانت ولا زالت طوال التاریخ، منذ فجر الانسانيّة إلى الآن لديها أهمية بارزة في تاريخ الانسانية: من زمن الأحرف الهجائية الفينيقية إلى زمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان!
ثانيها، الطاقة، ذلك أنه بحسب إحصاءات علماء الطاقة فإن الشرق الأوسط يحتوي علی نحو ثلثي 3/2 رصيد الطاقة في العالم.
ثالثها، الدين: إذ إن الأديان الثلاثة التوحيدية نشأت في هذه المنطقة من اليهودية إلى المسيحية إلى الإسلام، وغير خافٍ مدى تأثير البعد الروحاني في حياة الإنسان: تفكيره ودوره وخياراته المستقبلية.
رابعها، هو كما وصفه رئيس وزراء إيطاليا «ملتقى استراتيجيات العالم» وذلك أن كل الشعوب والأمم ترنو وتأمل في أن يكون لديها نفوذ أو هيمنة في هذا الجزء من العالم. ولقد اختصر هنري كيسنجر هذا الأمر بالقول: «إن من يسيطر على قارة الوسط يسيطر على العالم».
في تصنيف الدولتين: إيران وإسرائيل
1- إيران قوّة إقليميّة إذ تشكّل مساحتها 1,648 مليون كيلومتر مربع أي 75 مرّة مساحة إسرائيل وهي 22 ألف كيلومتر مربع. وثلاث مرات مساحة فرنسا (555 ألف كلم مربع) وعدد سكانها 89 مليونًا أي عشر مرات عدد سكان إسرائيل (9 ملايين).
2- اعتنقت إيران المذهب الشيعي في الإسلام وهو يساوي 15 % من المسلمين في حين يساوي أهل السنة 85 %، لكن وجود أقليات شيعية في دول المشرق العربي أفسح في المجال لإيران كي تكون لها أذرع في هذه المنطقة تدعمها وتستند اليها، لتحقيق أهدافها السياسية وهو ما مثله “حزب الله” في لبنان وبقية الحركات في كل من العراق وسوريا وفلسطين، انطلاقًا من الانتماء إلى الثورة الإيرانية تمهيدًا لقيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بطبيعتها الفارسية.
3- كان لدى الإيرانيين تجاه العرب ثلاثة مركبات: مركب استعلاء ومركبا نقص:
– أما الاستعلاء فهو الإشادة بدور الفرس في التاريخ كشعب متقدم وحضاري وأن العرب أهل بداوة وصحارٍ.
– وأما النقص ففي فارق العدد والمساحة بما لا يعطي الشيعة والفرس دورهم ومركزهم في الديانة الإسلامية.
ولذا، شاء الإيرانيون أن يعوّضوا عن ذلك بأمرين أساسيين:
أ- التسلح لتأكيد مركزهم ودورهم السياسي.
ب- الالتزام بالقضية الفلسطينية كي يثبّتوا موقفهم ودورهم في الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين.
…وهكذا ما إن أسقط صدام حسين في العراق عام 2003 حتى انهار السد السني في وجه الشيعة، فاندفعوا بقوة إلى بلدان المشرق العربي مدعومين بالثورة الإيرانية. وكان الإمام الخميني قد غادر منفاه في ضاحية باريس (نوفل لي شاتو) وعاد إلى إيران، وقال جملته الشهيرة التي يرددها الإيرانيون اليوم «إن الهدف هو محو إسرائيل عن خريطة العالم».
يومها رد عليه رئيس وزراء إسرائيل قائلاً: «قبل أن تشرع في محو إسرائيل عن خريطة العالم نكون قد جعلنا إيران نتفًا مبعثرة في زوايا العالم الأربع».
وهو يشير بذلك إلى ضربها بالقنابل النووية.
4- تعاني إسرائيل أيضًا من مركبات ضعف وقوة.
أما الضعف فلحجمها الصغير في عالم إسلامي مترامي الأطراف بفرعيه السني والشيعي. ولهذا فإن أخشى ما يخشاه الإسرائيليون هو بطون النساء الحوامل المسلمات، حيث نسبة الولادة لدى الإسرائيليين هي في حدود 3 % في حين تصل هذه النسبة إلى معدل 7 % لدى النساء المسلمات: وبهذا تصبح إسرائيل معرّضة لابتلاعها من الديمغرافيا الإسلاميّة: السنيّة والشيعيّة. لذا تحاول إسرائيل أن تعوّض عن هذا العجز بالقوتَين: المعنوية والمادية أي بسلاحَين: تماسك المجتمع وتفوّق التسلّح.
5 – في هذا الإطار رفض اليهود حتى الآن جميع المشاريع التي طرحت لحل القضية الفلسطينية، بما فيها حل الدولة الثنائية أي اليهودية والإسلامية من خلال التعايش اليهودي الإسلامي على الطريقة اللبنانية. وكذلك حلّ الدولتَين الذي أقرّته القمة العربية في بيروت عام 2002 بطرح من المملكة العربية السعودية، ويقترح الاعتراف بوجود دولتَين في فلسطين: واحدة عربية وثانية يهودية. وهو ما شرعت مؤخرًا عدّة جهات عربية ودولية في إعادة طرحه كحل وحيد وممكن للقضية الفلسطينية مع إصرار يهودي على رفض هذا الطرح.
6- سعت إسرائيل منذ نشوئها إلى امتلاك أكثر الأسلحة حداثةً وفتكًا في آن. وربما يكون المسؤولون الإسرائيليون وفي مقدمهم مناحيم بيغن قد قرأوا في الجغرافيا السياسية الألمانية، أن دولة إسرائيل هي دولة حاضنة للبنان كدولة حاجز بين إسرائيل وسوريا. ولكنه يصنّف إسرائيل انها دولة – حاجز بين مصر وسوريا. وتضيف الأطروحة الألمانية لتصنيف الدول، ومنها إسرائيل، أن مصير الدولة الحاجز إما أن يرعاه الحياد الدولي بطلب من شعب الدولة، كما هو وضع سويسرا حيث يكون الحياد، وإما بفرض الحياد عليها من الأسرة الدولية (مجلس الأمن) لمنعها من أن تكون سببًا لحرب عالمية، كما هو وضع النمسا، وهذا هو التحييد بقرار من مجلس الأمن الدولي.
7- إن الحل الآخر لبقاء الدولة الحاجز على قيد الحياة، إذا لم يكن الحياد أو التحييد متاحين لها، هو في نظر الجغرافيا السياسية التسلّح بأسلحة الدمار الشامل وهي هنا الأسلحة النووية.
وهذا ما قرأه وفهمه القادة اليهود التاريخيون، فشرعوا منذ قيام دولة إسرائيل، أي منذ بداية الخمسينات في القرن الماضي، في العمل للحصول على السلاح النووي. ولذا سعت إسرائيل للحصول على المفاعل النووي الفرنسي «ديمونا» (DIMONA) وهو الذي تقول الدراسات إنه سمح لإسرائيل بإنتاج ما بين مئة إلى مئتي سلاح نووي لإسرائيل. (راجع الصورة).
هذا التحوّل المهم والخطير في سياسة التسلّح الإسرائيلية، جعل من الدولة العبرية إحدى القوى النووية في العالم. والبعض يصنّفها الدولة الخامسة نوويًا بعد روسيا وأميركا وفرنسا والصين لامتلاكها ما بين 200 إلى 250 رأسًا نوويًا. ويرى البعض أن ذهاب ناتنياهو إلى الحدود القصوى في صراعه مع إيران، يمتد على قاعدة ثابتة وخطيرة تغيّر في وجه ليس الشرق الأوسط فقط، بل وفي وجه العالم.
8- إن ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة هو إقناع أو إجبار إيران بوقف مشروع تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، على أن يجري تزويدها بالحجم المناسب من الوكالة الذرية للطاقة، فإن توقفت عن التخصيب وقبلت بمشروع الرئيس ترامب الساعي إلى إيجاد حل يمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية من جهة، ويرضي بعض طموحها وكبريائها من جهة ثانية، ووقف التخصيب الذاتي نهائيًا من جهة ثانية، أمكن القول بالوصول إلى حل سلمي وهو أمر صعب إذا لم يكن مستحيلًا!
…. إن ما يجري الآن في الحرب الإسرائيلية – الإيرانية هو بكل أسف انتظار وقوع خطأ كبير من جانب إيران، يسمح عندئذٍ لإسرائيل باستخدام سلاحها النووي.
وقَّى الله لبنان والشرق الأوسط والعالم من الوقوع في هذا الجحيم!!