
كتب عارف العبد في المدن:
تطرح التطورات الراهنة في المنطقة، وتحديداً منذ بدء إسرائيل حربها وعدوانها وهجومها على إيران، علامات استفهام وأسئلة يومية، على كل الأطراف السياسية وقطاعات الرأي العام بمختلف اتجاهاته. والسؤال الملح بالطبع، هل سينخرط لبنان في الحرب الدائرة، عبر انخراط حزب الله للدفاع عن إيران، التي تتعرض للحصار والاستهداف، وللعدوان والقصف والتخريب والتدمير، لأغلب مؤسساتها المدنية والعسكرية؟
أكثر من ذلك، إذا ما توقفت الحرب، هل سيبقى لبنان بمعزل عن التداعيات والارتدادات والآثار الممكنة فيما بعد؟
الكلام الذي صدر عن شخصيات وقيادات في حزب الله حتى الآن، ركز على أن إيران ليست بحاجة للمساعدة، وأنها كفيلة بالدفاع عن نفسها بقواها الذاتية العسكرية والمدنية!
لكن هذا الكلام بطبيعة الحال، لا يقنع ولا يشفي غليل المتابعين والمراقبين، الذين يجمعون على أن الأمر منوط بإيران وليس بحزب الله. فمن الطبيعي أن يكون موقف الحزب العلني هو ما صدر عن بعض قيادته، والقائل أن إيران كفيلة بالدفاع عن نفسها. لكن القناعة الفعلية تكمن في مكان آخر، وهي أن إيران إذا أرادت تحريك حزب الله ضد إسرائيل، ومشاركته في المعركة الراهنة، فإن الحزب لن يرفض الطلب أو يمانع في الرغبة الإيرانية، بل سينخرط في الحرب بكل ما أعطي من قوة ولأكثر من سبب، أبرزها؛ أن الحزب في تكوينه وتركيبته وعمله واستمراره، هو صناعة إيرانية، وليس صناعة فقهية وتنظيمية شيعية لبنانية، وهو يؤمن بولاية الفقيه الموجود في إيران. وقد أثبتت التجارب، أن الحزب، لم يقدم على تنفيذ أية خطط، أو خطوات أساسية، إلا بعد حصوله على التكليف الشرعي من الولي الفقيه، إن في انخراطه في العمل السياسي في لبنان، أو العمل النيابي أو الحكومي أو العسكري.
طبيعة تركيبة الحزب، وتاريخ تأسيسه وتشكيله، باعتراف قادته، قائمة على الاندماج الكامل مع التركيبة والآلة الإيرانية السياسية والإعلامية والعسكرية.
بطبيعة الحال، فان السيد حسن نصرالله، كان قد تمكن في آخر أيامه، وبعد عدوان تموز، من الحصول على هامش ليس بقليل من الحركة المنفردة والقرار الذاتي المستقل، في بعض الخطوات والقرارات، نسبة إلى سلسلة القيادة والتحكم الإيرانية. وقد استطاع السيد نصرالله، أن يشكل حالة ليست بسيطة أو عابرة، في سلسلة ماكينة وآلية اتخاذ القرار، بالتواصل مع القيادة الإيرانية في ما يتعلق ببعض جوانب القرارات والخطوات في لبنان وسوريا.
المحصلة، إذا أرادت إيران مشاركة حزب الله، فإنه سيشارك في الحرب بغض النظر عن النتائج والآثار التي ستنتج عن ذلك.
من هنا، وجواباً على السؤال المطروح بقوة، هل ينخرط لبنان ويشارك حزب الله في الحرب الدائرة؟ فإن الأمر يقف عند رغبة وحاجة القيادة الإيرانية، وليس عند توجهات قيادة حزب الله في لبنان فقط.
وقد يصبح الاحتمال أكثر وروداً وإمكانية، إذا ما شاركت الولايات المتحدة الأميركية في مساندة إسرائيل. وهذا لا يبدو مستبعداً حسب التطورات الأخيرة الجارية. فالولايات المتحدة الأميركية قد تشارك وبقوة بضرب إيران، كما هو ظاهر نتيجة الاستعدادات والتلميحات والتسريبات والتحضيرات القائمة على مختلف المستويات.
يبقى السؤال الآخر الأكثر عمقاً، هو هل سيتأثر لبنان بتداعيات الحرب الراهنة، بغض النظر عن النتائج التي ستسفر عنها، والتي هي على الأغلب لمصلحة أميركا وإسرائيل عسكرياً؟ بسبب واقع التوازنات وموازين القوى العسكرية والقدرات غير المتناسبة بين الطرفين!
الواضح حتى الآن، أن إيران باتت في وضع دفاعي وقتال تراجعي، خصوصاً بعد سقوط نظام آل الاسد في دمشق. صحيح أنها تمكنت من أن تلحق بإسرائيل ضربات موجعة ومؤلمة جداً، لكن موازين القوى الواقعي والطبيعي، يحتم رجحان كفة إسرائيل وأميركا، التي قد يضاف إلى قوتها، قوى غربية أخرى، خصوصاً في ظل عدم استعداد روسيا للانخراط في حرب استنزاف موازية لحرب أوكرانيا، التي تسحب وتنفق وتُشغل أغلب موارد روسيا.
النظريات المتناثرة هنا وهناك، التي تعتبر إنه قد بدأت في إيران والمنطقة الآن، تجربة حرب طويلة، وحرب استنزاف للولايات المتحدة وإسرائيل، هي على الأغلب نظريات غير واقعية. فتكرار تجربة حرب تحرير فيتنام ليست ممكنة أو جائزة الآن، أو أنها قابلة للتحقق، في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ سنوات. وهي تشكل استنزافاً للقدرات الروسية والصينية والكورية الشمالية على كل المستويات.
من هنا فإن إيران كما هو ظاهر، لن تحظى بالعون والمساندة الكبيرة والفعالة من أطراف دولية أو إقليمية أخرى، تساهم في تبديل وتغيير موازين القوى والمعادلة الراهنة.
الأرجح عملياً، هو استنزاف إيران وإشغالها وتقليم أظافرها، وإجبارها على دفع ثمن مرتفع، وقاس نتيجة تمسكها في مسألة الخيار النووي.
رئيس مجلس النواب نبيه برّي، قال جازماً في حديث صحافي: “إن لبنان لن يدخل الحرب 200 بالميّة، لأنّ لا مصلحة له في ذلك ولأنه سيدفع الثمن”. وحين قيل له إنه في حال طلبت إيران من حزب الله المشاركة أجاب مفاخراً: “إيران ليست بحاجة لنا بل إسرائيل هي التي تحتاج دعماً”!
ولم تمض ساعة على كلام برّي وموقفه المتسرع، حتى عاجله أمين حزب الله الشيخ نعيم قاسم بكلام ينسفه، حين قال: “نحن إلى جانب إيران في مواجهة هذا الظلم العالمي، لأنَّنا مع استقلالنا وتحرير أرضنا وحريَّة قرارنا وخياراتنا. لسنا على الحياد، ولذا نُعبِّر عن موقفنا إلى جانب إيران وقيادتها وشعبها، ونتصرفُ بما نراه مناسبًا في مواجهة هذا العدوان الإسرائيلي الأميركي الغاشم”. مما يعني أنه فتح الباب أمام كل الاحتمالات.
في كل الأحوال، وبغض النظر عن النتائج التي ستنتهي إليها الحرب الراهنة والمواجهة الإقليمية الحالية، فإن التجارب اللبنانية المتعددة ولأكثر من سبب وسبب، لا تميل إلى إبقاء لبنان بعيداً عن التداعيات المقبلة!