
تغطية أميرة حمادة
في صباح جبلي مشمس، فتح الباروك قلبه للكاميرا والقلم، في مشهد يشبه قصيدة تكتب على وقع الريح بين اغصان الارز. بدعوة من بلدية الباروك–الفريديس برئاسة الدكتور فادي محمود، وبالتعاون مع محمية ارز الشوف و”الشوف الوجهة” وجمعية “ضيعتي مرايتي”، انطلقت رحلة اعلامية حملت عنوان “الباروك–الفريديس بقلم وعدسة الاعلام”، نسقها الاستاذ بيار حداد، مسؤول لجنة الاعلام في البلدية، وبدعم لافت من شباب وشرطة البلدية.
بدأت الجولة بزيارة الى مستوصف الباروك، حيث تتحول الرعاية الصحية الى التزام انساني يومي. هنا، لا تقاس القيمة بعدد المراجعين، بل بحجم الامان الذي يشعر به الاهالي، وبأهمية وجود مركز طبي حيوي في منطقة جبلية تحتاج دوما الى هذا الحضور المتقدم.
ثم توجه الوفد الى حديقة “ياسمينا”، التي تحتضنها الطبيعة بكل سخائها، عند مدخلها، استقبلهم السيد هادي العنيسي وعائلته بابتسامة الجبل وترويقة شوفية اصيلة: مناقيش على الصاج، اللبنة، الزيتون، الاجبان، وغيرها من اطباق الافطار الشهي. كانت المائدة تحكى لا بالكلمات، بل برائحة الاعشاب وهدوء الطبيعة التي تسكن الزوايا.
في دردشة ودية مع رئيس بلدية الباروك–الفريديس الدكتور فادي محمود، تحدث عن الرؤية الانمائية الشاملة التي يقودها في البلدة، مشيرا الى اعتماده خطة متوازنة تجمع بين البرامج القصيرة الامد والاستراتيجيات طويلة المدى، واضعا في صلب اولوياته كل ما من شأنه ان يخدم الضيعة واهلها ويعزز جودة حياتهم. كما سلط الضوء على مشكلة شح المياه في نبع الباروك، معتبرا انها ازمة تتطلب تحركا وطنيا عاجلا قبل ان تتحول الى تحد بيئي وانساني في السنوات المقبلة.
ثم توجه المشاركون الى ضريح الشاعر رشيد نخلة، مؤلف النشيد الوطني اللبناني، ليقفوا امام ذاكرة وطنية مغروسة في تراب البلدة. وبجوار الضريح، مكتبة بسيطة وجلسة للقراءة تحت الشجر، حيث تتحول الكتب الى اوراق تنمو من الاغصان، في مساحة ثقافية تحرر الفكر من الجدران.
المحطة التالية كانت في بلدية الباروك–الفريديس، حيث اطلع الحضور على مشاريع تنموية تعبر عن رؤية واضحة لخدمة ابناء البلدة، من بنى تحتية الى مبادرات اجتماعية. تلتها زيارة مؤثرة الى مؤسسة المرحوم الشيخ ابو حسن عارف حلاوي الخيرية، حيث تتجلى القيم الروحية والعطاء الصادق.
لم تغب الروحانية عن الجولة، فقد كانت زيارة كنيسة مار جرجس، أحد اقدم المعالم الدينية في البلدة، لحظة مفعمة بالخشوع والجمال. دق جرس الكنيسة عند الوصول، وتلت ذلك أنغام فرقة “صدى الجبل” التي قدمت اغنيات لفيروز ورامي عياش باداء اكابيلا حي، اضفت على اللقاء طابعا سماويا مميزا. ثم توجه بعض المشاركين الى ضريح الشيخ ابو حسن عارف حلاوي، أحد كبار مشايخ الطائفة الدرزية، في مشهد يجسد التعايش المتجذر في نسيج الباروك–الفريديس، حيث تختلف الطقوس لكن يجتمع الايمان والانتماء.
بعدها، قصد الجميع بوابة محمية ارز الشوف، حيث تقف الاشجار الشامخة كحراس الزمن. هناك، لا قيمة للكلمات بقدر ما يعلو شأن الصمت، فالسكينة التي تسكن المكان تعلم الزائر درسا في الشموخ والثبات. وبينما كنا نلهث من حر الصيف، باغتنا هواء الجبل العليل كنسمة خلاص، انعشت القلب قبل الجسد، وذكرتنا ان الطبيعة تعرف كيف تواسي زوارها. جذوع الارز الراسخة تحكي حكاية وطن صمد رغم العواصف، وتعلمنا ان الثبات في الارض هو سر الحياة وكرامتها.
وزرعت شجرة ارز باسم الاعلامية والاديبة حبوبة حداد، ابنة البلدة، تكريما لمسيرتها الثقافية واثارها الادبية، في لفتة وفاء تعكس فخر الباروك باهلها الذين رفعوا اسمها واسم لبنان في المحافل الثقافية.
واختتم اليوم في مطعم “شلالات الباروك”، حيث تعانق خرير المياه مع انغام التراث اللبناني. على المائدة، تنوعت اطباق الضيافة الجبلية الاصيلة، وفي الساحة، ارتفعت الدبكة اللبنانية باقدام المشاركين، على وقع الحنين وانغام العود، في مشهد فني تختصره روح الجبل وهويته.
رحلة “الباروك–الفريديس بقلم وعدسة الاعلام” لم تكن مجرد جولة، بل كانت لقاء مع روح الجبل، مع الجمال الكامن في التفاصيل، والانسان القريب من ارضه، بلدة تكتب حكايتها بصمت الارز ودفء القلوب.