
كتب د-قصي الحسين في اللواء:
إختار الرئيس دونالد ترامب، السفير الأميركي في تركيا توم برّاك، على رأس بعثة أميركية إلى لبنان وسوريا، لأنه وجد فيه كل المؤهلات المطلوبة:
1- فهو الصديق والشريك له. مجرّب في الحملة الإنتخابية. وكذلك مجرّب في التنصيب الرئاسي. وهو أميركي، ولم يتخلَّ عن لبنانيته، بل أشتغل على إستعادة الجنسية، باذلا من وقته ومن ماله، وأورثها في حياته، لأبنائه وأحفاده، وأصوله الضاربة في مدينة زحلة، هي أيضا من العناصر المشجّعة، ولا داعي للشرح والتفصيل. ولا غرو، فزحلة والبقاع، مجمع البحرين: سوريا ولبنان، منذ أن سقى البردوني وصنين ووادي الريم، هذه المدينة البقاعية الرائعة.
2- أوحى الرئيس ترامب، بمهمة السفير توم برّاك، بإحياء تلازم أم وحدة المسارين بين سوريا ولبنان. أعادت صورته مع الرئيس أحمد الشرع ومع الرئيس جوزاف عون، شريطا تاريخيا طويلا لدبلوماسية الولايات المتحدة، في دمشق وفي بيروت. فجعل إبن مدينة زحلة في هذه الرتبة، لإنه أدرى بشعابها.
3- أحيا الرئيس ترامب، برئيس البعثة الدبلوماسية الأميركية في تركيا مسار العلاقات القديمة مع إسطنبول، قاطعا الطريق على سايكس – بيكو، موحيا بإنتهاء الصلاحية، بعد مرور المئوية عليها.
4- أجرى الرئيس دونالد ترامب، كل ذلك، بعدما أوحى بقطع رأس طهران على الطريقة الداهشية، في أربعة عواصم عربية، بقنبلة واحدة، شبّهها – هو نفسه – بقنبلة هيروشيما، التي أعادت رسم خريطة العالم، بجعل الولايات المتحدة، هي السيدة الأولى فيها.
لا أظن أن الرئيس دونالد ترامب، أو السفير توم برّاك، سها عن باله كل ذلك. وأن الإختيار، فقط، كان لمجرد الصدفة. ولهذا بدا المبعوث الشخصي للرئيس دونالد ترامب، في القصر الجمهوري، كما مع الرئيس نواف سلام والرئيس نبيه بري، ممتلئا نعمة ومباركا ومرتاحا معا.
قال للرؤساء الثلاث، إن الزمن الأول قد تحوّل. طلب إليهم أن يتمعّنوا في قعر المرآة، لأن القضية اللبنانية اليوم، عادت قضية مقعّرة. طلب إليهم أن يعودوا إلى رشدهم، إلى الواقعية السياسية الجديدة، أن يتأنّوا كثيرا في قراءتها، وأن يعملوا عقولهم لا عواطفهم، لأن آفة العقل الهوى، كما قال يوما سيد البلاغة العربية، الإمام علي، كرّم لله وجهه.
قال لهم: إنه يخاطبهم كرجل سياسي دبلوماسي من خلال موقعه ومن خلال صفته، وأنه يعرف فيهم الخصال الحميدة والمجيدة، تماما كما يعرف عنهم غيرها: صارحهم بأنهم «يلعبون الطاولة»، لأنهم أهل العاطفة. أما هو فيلعب الشطرنج، لأن مثل هذه اللعبة تحتاج إلى التبصّر والتعقّل وإحتساب النتائج.
قال المبعوث الشخصي للرئيس دونالد ترامب كلمته أمام الملأ، ومشى:
ترك للبنانيين حرية الإختيار. فهذا شأنهم هم، وليس للولايات المتحدة شأن فيه.
السفير توم برّاك، ربما يكون من أكثر الأميركيين ذوي الأصول اللبنانية حماسة للبنان والقضية اللبنانية. وربما لهذا، ينظر اللبنانيون إليه، بعين الرجاء. يؤملون فيه غاية الأمل، بأن ينقذهم من البراثن التي يخافونها ويخشونها، والتي أدمت عنقهم طوال قرن وأكثر. أما السفير توم برّاك فيقول لهم: إن المنطقة تتغيّر، فإلحقوا أنفسكم بالتغيير. شاهدوا بواقعية ما يحصل، ولا تتأخّروا عن الركب، حتى لا يفوتكم القطار.
توم برّاك، كان صريحا للغاية معنا، إستمع إلى معزوفة الدجل، وإستمتع بالدف بيننا، وكذلك بالدف و بالطبل وبالدبكة وبالأرغول وبمنجيرة الراعي.. إمتصّها جميعا ولم يتأثر بها. قال في نفسه إنها تصدر عن عاطفة، ولهذا تجاوزها ومضى ولم تتغيّر له سحنة، ولم يتنحنح ويتلكأ ولم يتكأكأ، ولا إشتدّ له عود ولا وتر. أدار ظهره لنا، وقال هيهات هيأت.. فأنتم أنتم، لم تتغيّروا. لم تخرجوا بعد من الكهف.
غادر توم برّاك، رجل المهمة الصعبة: مهمة إحياء وحدة المسارين، آخذا طريقه إلى إسطنبول. فتح له قصر يلدز، إجتمع إلى أسرته الأميركية اللبنانية الأصل، وحين سُئل عن الوضع في زحلة، بين دمشق وبيروت، وقف بينهم كدريد بن الصمة، منشدا:
محضتهم نصحي بمنعرج اللوى/ فما إستبانوا النصح إلّا ضحى الغد
وهل أنا إلّا من غزية إن غوت/ غويت وإن ترشد غزية أرشد.