
كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:
في بلدٍ معروف عنه أن “الطائفية تحمي”، و”الزعامة تُنقذ” و”الحصانة تُبرّى”، يكون فيه الكلام عن محاسبة مسؤول مجرّد حلمٍ صعب التحقيق… وملف انفجار المرفأ دليلا.
فلنعد بالذاكرة إلى العام 1994، حينما شكّل رفعُ الحصانة عن النائب يحيى شمص حدثا نادرا في الحياة السياسية اللبنانية، وقد جاء ذلك على خلفية اتهامات وُجهّت إلى شمص تتعلّق بقضيّة تهريب مخدرات في وقت كان فيه ملف البقاع وتجارة الحشيشة موضع اهتمام محليا ودوليا. وقد اعتُبر القرار آنذاك مؤشرا على محاولة الدولة إظهار بعض الجدية في مكافحة الفساد والتهريب، رغم أن كثرا وجدوا في ما حصل يومها بُعدًا سياسيا يتجاوز القضائي.
وبعد رفع الحصانة تمّ توقيفُ شمص، وبدأت الإجراءات القضائية بحقّه، وقد لاقت محاكمتهُ جدلا واسعًا.
في أواخر التسعينات وتحديدا عام 1999، اتخذ مجلس النواب خطوة قضائية جدية بحق احد أعضائه وهو النائب ووزير الطاقة السابق شاهي برصوميان، فتم رفعُ الحصانة عنه إثر اتهامات طالت اداءه خلال توليه الوزارة، وتحديدا في قضية الرواسب النفطية التي شغلت الرأي العام اللبناني حينها.
وتعود تفاصيل الملف إلى فترة تولّيه وزارة الطاقة، حيث تم الكشف عن فضيحة تتعلق بعقود تنظيف الرواسب النفطية في خزانات منشآت النفط في الزهراني وطرابلس، و هي عملية تبيّن لاحقا أنه شابها الكثير من الغموض وسوء الإدارة، من دون الإغفال عن شبهات فساد مالي.
رفعُ الحصانة عن برصوميان جاء بناء على طلب من القضاء، وقد وافق عليه المجلس حينها، ما سمح للنيابة العامة بتوقيفه وإحالته على التحقيق ومن ثمّ المحاكمة، ليُسجن فعليا 11 شهرا، في خطوة تعتبر نادرة في سياق المحاسبة السياسية في لبنان.
بعد عام واحد، أي في العام 2000، سُلّطت الأضواء على ملف بيئي وصحّي حسّاس هو محرقة برج حمّود. فتمّ رفع الحصانة النيابية عن النائب حبيب حكيم بعد اتهامه بالتورط في مخالفات تتعلق بإدارة ملف النفايات، وتحديدا لناحية السماح أو التغطية على محرقة غير مطابقة للمواصفات كانت تُشغّل في المنطقة.
أثار الملف حينها ضجة كبيرة، خصوصا مع تصاعد المخاوف الصحية والبيئية من التلوث والسرطانات المرتبطة بانبعاثات هذه المحرقة، فشُكلت لجنة تحقيق نيابية انتهت إلى المطالبة برفع الحصانة عن حبيب حكيم لتتمّ ملاحقته قضائيا.
هذا الملف لم يصل إلى نهايات قضائية حاسمة، وبقيت قضية محرقة برج حمود رمزا لفشل الدولة في إدارة ملف النفايات، وللعجز الكبير عن وضع حد للفساد، حتى حينما يتعلّق بصحة المواطنين.
في السنوات الماضية، عاد الحديث عن رفع الحصانات إلى الواجهة، غير أنها بقيت صامدة خصوصا في ملف انفجار المرفأ، ليخرقها فقط ملف الوزير جورج بوشيكيان.
المحاسبة هي السبيل المُعبّد للوصول إلى الديمقراطية الفعلية، وحينما تنتفي الاولى، لا يحلمنّ أحدٌ بالثانية