
كتبت جوزفين ديب في اساس ميديا:
بعيدا عن كلّ التصريحات العلنيّة التي رافقت جولة الموفد الأميركي توم بارّاك، الخلاصة واحدة: سقطت كلّ الأوراق، لا حلول على الورق بعد اليوم لأنّ المطلوب واحد: التنفيذ فوراً تحت رقابة دوليّة ومن دون ضمانات.
لذلك اختار بارّاك هذه المرّة أن يتحدّث مع رئيس الحكومة نوّاف سلام للدلالة على أهمّية إقرار التنفيذ في مجلس الوزراء فوراً. وهو شرط الرسالة الأولى التي حملها منذ أكثر من شهر. إلّا أنّ اليوم، يبدو بارّاك في مكان، والسلطة اللبنانية في مكان آخر، و”الحزب” في موقع مختلف تماماً.
في هذه الزيارة “الأخيرة” لبارّاك، تكوّن الانطباع الأخير لدى المعنيّين بالملفّ. وهو انطباع كان “أساس” قد تحدّث عنه سابقاً عند انتقال مورغان أورتاغس من الملفّ اللبناني إلى الأمم المتّحدة. وفيه أنّ اللبنانيين أمام مرحلة أكثر صعوبة قد يترحّمون فيها على أورتاغس بعد أن يكتشفوا ما سيأتي به بارّاك.
بدأت اليوم هذه القناعة تتكوّن لدى السلطة اللبنانية مجتمعة، لأنّ المطروح على الطاولة ليس مفاوضات ولا خيارات. بل إملاءات على لبنان أن ينفّذها فوراً. لذلك عندما يقول بارّاك إنّ سلاح “الحزب” شأن داخلي يعني أنّه يضع المسؤولية على السلطة والجيش اللبناني. وعندما يقول “لا أستطيع أن أقدّم ضمانات عن إسرائيل” يعني أنّ إسرائيل ستبقى مستبيحة للبنان متى أرادت ذلك.
الواقع الصعب الذي وصلت إليه المفاوضات هو أن لا مفاوضات بعد اليوم، ولا أوراق تفاوضيّة يملكها لبنان لأنّه اقترب كثيراً من لحظة الحقيقة: إمّا التنفيذ أو الذهاب إلى هلاك الحرب وهلاك الإهمال الشامل.
بدأت اليوم هذه القناعة تتكوّن لدى السلطة اللبنانية مجتمعة، لأنّ المطروح على الطاولة ليس مفاوضات ولا خيارات
عون: نحتاج إلى ضمانات وسوريا مثال
في مقابل ذلك هذا الواقع الصعب، لا يزال رئيس الجمهورية جوزف عون متمسّكاً بخيار عدم تصادم الجيش اللبناني مع “الحزب”، والحرص على الساحة الداخلية. وفي معلومات “أساس” أنّ عون ينظر إلى ما يحصل في سوريا بعين الريبة، لا سيما العدوان الاسرائيلي الأخير عليها.
هنا تُطرح علامات استفهام مقلقة تتعلّق بمستقبل لبنان. لذلك ما الذي يضمن لنا أن لا تقصفنا إسرائيل في حال ذهبنا إلى نزع السلاح؟ وما الذي يوقف العدوان الإسرائيلي مع كلّ ما يحدث في سوريا؟
هذه بعض من الأسئلة التي تطرحها بعبدا طالبةً ضمانات من دون أن تحصل عليها. لذلك كلّ “التفاؤل” الذي ساد لقاءات بارّاك في المرّة الأولى تلاشى مع هذه الزيارة، لا سيما بعد اكتشاف اللبنانيين أنّ أصل الرجل اللبناني لم يشفع بشيء، وأنّ ابتساماته وصداقاته اللبنانية لا علاقة لها بالسياسة الأميركية المباشرة في المنطقة.
عليه، تحدّثت معلومات “أساس” عن أنّ المهل الزمنيّة التي كان لبنان قد وضعها في ورقته والتي تمّ تقسيمها إلى مراحل، سقطت أمام طلب بارّاك البدء فوراً بنزع السلاح. وتحدّثت المصادر المتابعة للعمل على الورقة اللبنانية عن أنّها أصبحت من الماضي.
برّي قلق على الطّائفة الشّيعيّة
رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مدرك جدّاً لصعوبة المرحلة. فهو أرجأ اللقاء إلى اليوم الثلاثاء، في محاولة للخروج بشيء جديد. غالباً ما تكون “أرانب” برّي رابحة حيث تنجح في الخروج من النفق. ولكنّ هذه المرّة، محاولة برّي صعبة جدّاً ولا احتمالات جديّة لنجاحها.
لا بركة في كلّ هذه الزيارات واللقاءات والمؤتمرات الصحافية التي يعقدها بارّاك بالنسبة إلى “الحزب”
تقول المصادر المتابعة لحركة عين التينة لـ”أساس” إنّ الجوّ سلبيّ للغاية وإنّ الرئيس برّي قلق جدّاً على الطائفة الشيعية في المرحلة المقبلة على البلد. وعليه، يحاول برّي التقريب بين وجهات النظر، ولو أنّه مدرك تماماً أنّ ورقة بارّاك غير مقبولة وساقطة في مفهوم “الحزب”. لذلك كلّ الاستنتاجات التي تخرج من الأروقة السياسية تتحدّث عن ورقة أكثر مرونة كان يُعمل عليها قبل مجيء بارّاك كان يمكن للبنان أن ينجح في تنفيذها.
“الحزب”: كلّ هذه الحركة بلا بركة
لا بركة في كلّ هذه الزيارات واللقاءات والمؤتمرات الصحافية التي يعقدها بارّاك. بالنسبة إلى “الحزب” هذه الورقة هي صكّ استسلام، وهي بحكم الساقطة. ووفق مصادر مقرّبة منه لا يرفض نزع سلاحه بل منفتح على الحوار في تسليم سلاحه للجيش وفق استراتيجية وطنية. وحول هذه النقطة، يعترض “الحزب” على قيام إسرائيل بإجبار الجيش اللبناني على تفجير الأسلحة التي يحصل عليها من “الحزب” بدل المحافظة عليها لتكون جزءاً من استراتيجية لبنان في دفاعه عن أرضه بوجه إسرائيل.
تروي مصادر مقرّبة من “الحزب” لـ”أساس” أنّ الجيش اللبناني حصل على راجمة صواريخ من أحد المستودعات ولم يفجّرها، فجاءه التحذير فوراً من لجنة “الميكانيزم”. لذلك تعود أيضاً هذه المصادر للتذكير بورقة أورتاغوس التي تعدّ أكثر منطقية من “الاستسلام الكامل الذي يحمله بارّاك”.
تدلّ كلّ الإشارات على أنّ طريق الحلول مقفلة حتّى هذه الساعة. وفي مقابل كلّ السجال العلنيّ، كلامٌ يُهمس به في الكواليس يبدي خوفاً من شهر آب المقبل، لا سيما أنّ التحضيرات بدأت تشتدّ من كلّ الجهات لمعركة يعرف “الحزب” أنّها ستكون قاسية جدّاً عليه إن لم تكن قاضية، لكنّه يقول إنّها ستُفرض عليه فرضاً لأنّه لا يريدها، وليس من أحد قد نجح حتّى الساعة في إيجاد مخارج لائقة له لتسليم سلاحه في إطار داخلي لا خارجي أميركي وإسرائيلي