
كتب خير الله خير الله في اساس ميديا:
وضع المبعوث الأميركي توم بارّاك، على الرغم من حال الضياع التي يعاني منها سوريّاً، المسؤولين اللبنانيّين أمام مسؤوليّاتهم. هل يكون هؤلاء، من رئيس الجمهوريّة، إلى رئيس مجلس النوّاب، إلى رئيس مجلس الوزراء في مستوى المسؤوليّة الملقاة على عاتقهم… أم يضيعون في غياهب أوهام إيرانيّة لا يعبّر عنها أكثر من تمسّك “الحزب” بسلاحه؟
يرفض الاعتراف بالخسارة
تكمن مشكلة “الحزب” في أنّه يرفض الاعتراف بخسارته الحرب أوّلاً، ويرفض دفع ثمن هزيمته. يريد من لبنان دفع ثمن هزيمة في حرب لا علاقة له بها أصلاً. يريد “الحزب” قطف ثمار حرب خسرها، بما يتعارض مع كلّ ما له علاقة بالمنطق.
توجد خطوط عريضة لا يستطيع المبعوث الأميركي تجاوزها، مهما بلغت درجة علاقة الصداقة التي تربطه برئيسه دونالد ترامب. بين أبرز هذه الخطوط أنّ أميركا تعتبر “الحزب” منظّمة “إرهابيّة” وأن لا مجال لحوار بين الإدارة الأميركيّة و”الحزب”.
احتمالات تزايد الاضطرابات الداخليّة واردة جدّاً في سوريا في ضوء التناقضات المختلفة التي باتت تتحكّم بالبلد
لم يترك المبعوث الأميركي لـ”الحزب” غير خيار واحد هو خيار التخلّي عن سلاحه، ولا فارق بين شمال الليطاني وجنوب الليطاني. على كلّ من يريد التأكّد من ذلك قراءة نصّ القرار 1701 الذي هو جزء لا يتجزّأ من اتّفاق وقف النار الذي تمّ التوصّل إليه في 27 تشرين الثاني 2024. سيكون على “الحزب” الانتصار على الخيار الواحد الوحيد الذي تركه توم بارّاك له وللبنان كدولة تسعى إلى تمرير المرحلة البالغة التعقيد، التي تشهدها المنطقة بالتي هي أحسن، حتّى لا نقول بأسلوب التذاكي.
في حال استمرار الأمور على حالها، لن يدفع لبنان، بكلّ طوائفه بما في ذلك الطائفة الشيعيّة، ثمن الحرب الخاسرة التي خاضها “الحزب” تلبية لطلب إيرانيّ فحسب، بل سيكون عليه أيضاً دفع ثمن التغيير المستحيل في سوريا. بكلام أوضح، يُخشى تحوّل لبنان إلى ضحيّة لرهان إيراني على العودة إلى سوريا.
يدرك “الحزب” ومن خلفه “الجمهوريّة الإسلاميّة” أنّ النظام السوري الجديد في وضع صعب. يواجه النظام الذي دخل في مواجهة مع الأقلّية الدرزيّة دائرة الخطر على الرغم من كلام توم بارّاك، الذي دافع فيه عن تصرّفات السلطات السورية إبّان أحداث السويداء.
تزايد الاضطرابات في سوريا
احتمالات تزايد الاضطرابات الداخليّة واردة جدّاً في سوريا في ضوء التناقضات المختلفة التي باتت تتحكّم بالبلد. يوجد الصدام القائم بين السلطة من جهة، والعلويّين والمسيحيّين والدروز والأكراد من جهة أخرى. وهو صدام صارت إسرائيل طرفاً فيه. وتوجد تناقضات حادّة بين المسؤولين الجدد، خصوصاً الأجهزة الأمنيّة ومراكز القوّة التي تسعى إلى السيطرة على النشاط التجاري من جهة، وأهل المدن الكبيرة من جهة أخرى. إنّه صدام يرتدي طابعاً سنّياً – سنّياً بين التطرّف السنّي الذي تعبّر عنه “هيئة تحرير الشام” وتوابعها وبين الإسلام المعتدل في مدن مثل دمشق وحلب وحمص وحماة.
لبنان سيدفع مرّة أخرى ثمن ممارسات إيرانية تقوم على إعادة الحياة إلى مشروع توسّعي
تتابع “الجمهوريّة الإسلاميّة” التطوّرات السوريّة، بما في ذلك علاقة النظام الجديد بالأكراد، عن كثب. تبني آمالاً على الاستفادة من هذه التطوّرات ومن أيّ انفجارات داخلية منتظرة. هذا ما يفسّر التصعيد الذي يمارسه “الحزب” والذي يعبّر عنه بشكل خاصّ كلام أمينه العامّ نعيم قاسم. يتحدّث نعيم قاسم عن الاحتفاظ بسلاح لم تكن لديه يوماً سوى وظيفة داخلية لبنانية بعدما فشل فشلاً ذريعاً في كلّ المواجهات مع إسرائيل. انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000 استناداً إلى أجندة خاصّة بها، لا غير.
سيرتدّ التصعيد الإيراني، الذي يمارَس عبر “الحزب”، على لبنان واللبنانيّين، بما في ذلك الشيعة. لا يعود ذلك إلى أنّ إسرائيل تبدو مستعدّة في مرحلة معيّنة لتوجيه ضربة قويّة للبنان فحسب، بل إلى أنّ سوريا لا يمكن أن تعود تحت حكم العلويّين في يوم من الأيّام. يمكن لسوريا أن تتفتّت، ويمكن أن تبقى موحّدة، لكنّ أيّ تفتّت للكيان السوري لا يمكن أن يعني عودة إيران إلى التحكّم بالبلد كما كانت الحال في أيّام حافظ وبشّار الأسد.
الخيار المستحيل
يظلّ الرهان على العودة الإيرانيّة إلى سوريا خياراً مستحيلاً حتّى لو استنجدت إيران بميليشيات “الحشد الشعبي” في العراق وحتّى لو استطاع العلويون إقامة كيان خاصّ بهم في الساحل السوري. لن يكون هذا الكيان العلويّ غير كيان بحماية إسراره.
كلّ ما في الأمر أنّ لبنان سيدفع مرّة أخرى ثمن ممارسات إيرانية تقوم على إعادة الحياة إلى مشروع توسّعي خسر كلّ الحروب التي شنّها على هامش حرب غزّة. انتهى المشروع التوسّعي الإيراني بعدما انتقلت الحرب إلى داخل “الجمهوريّة الإسلاميّة”. هذا ما يُفترض في كبار المسؤولين اللبنانيّين استيعابه. لا يكون ذلك بحوار مع حزب يسعى إلى كسب الوقت ليس إلّا… بل عن طريق موقف جريء يستند إلى واقع جديد. هو الواقع الذي سمح، مطلع عام 2025، بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية خلافاً لرغبة إيران وحزبها الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” فتح جبهة الجنوب ولم يعد يعرف كيف يغلقها.