سلايدات

الآفاق مسدودة والحكومة تترنح بين حدّي الانفراج أو الانفجار

كتب جورج شاهين في الجمهورية:

مهما تعدّدت السيناريوهات الخاصة بمهمّة الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك، يبقى هناك ما هو ثابت، يتحدث عن خطوات لبنانية مطلوبة – على رغم من أنّ أوان بعضها قد فات – ليس من جانبه كراعٍ ووسيط فحسب، إنما من جانب رعاة الملفات اللبنانية بوجوهها المختلفة، ولاسيما منها ما يتصل بمسيرة النهوض والإعمار. فالتعهدات الدولية تنتظر نظيراتها اللبنانية التي قطعت لتلاقيها بالمثل. وعليه، ما هو دور الحكومة في هذا المخاض العسير؟

لم يكن جديداً أن ترى الحكومة نفسها ملزمة باتخاذ بعض الخطوات المطلوبة دولياً، ولاسيما منها تلك التي تتحدث عن مصادرة الأسلحة غير الشرعية من لبنانية وفلسطينية وتجميعها، ووضعها في عهدة القوى الشرعية من جيش وقوى أمنية مختلفة وصولاً إلى شرطة البلدية. وهو أمر كان ينتظره برّاك قبل زيارته الأخيرة لبيروت ما بين 22 و24 تموز الجاري، ولم ينله على قاعدة ما عبّر عنه في آخر لقاءاته اللبنانية، قبل أن يغادر إلى باريس، عندما لفت محدثه بقوله إنّه «لم يحصل على ما كان يريده من لبنان، وانّ ما ناله لم يكن في حاجة إليه».

 

وانطلاقاً من هذه الوقائع وما تعكسه من تردّد لبناني تجلّى بتأجيل بعض الخطوات الأساسية والمهمّة، فَقَد توجّهت الأنظار إلى الحدّ الأدنى المطلوب من الحكومة بكل مكوناتها، وهو اتخاذ قرار صريح يؤكّد هذه الخطوة المتصلة بمصير السلاح، وهو أمر جهد خلفه رئيس الحكومة نواف سلام منذ مغادرة برّاك بيروت. وقد كانت له محطة مهمّة في باريس، طالبته بالإسراع في هذه الخطوة، قبل ان يعود منها محمّلاً برسائل غير مريحة، تحاكي المرحلة المقبلة إن بقيت الأمور جامدة على المستوى الراهن، ما لم تتخذ الحكومة خطوتها المستعجلة في هذه المرحلة الدقيقة، قبل أن يمر التكليف المعطى له .

 

وفي اعتقاد متابعين لما انتهت اليه مهمّة برّاك بأيامها الثلاثة في بيروت، وما سبق زيارة سلام لباريس وتلاها، انّ هناك خطوات متسارعة تقضي ببرمجة عملية تسليم الأسلحة للقوى الشرعية بطريقة لا عودة عنها، وبتوافق الحكومة بكل مكوناتها بما فيها «الثنائي الشيعي» الطرف الأساسي الذي فاوض للتوصل الى ما تمّ التفاهم عليه في 27 تشرين الثاني 2024. ذلك انّ مثل هذه الخطوة قد ترضي الأميركيين ومن يناصرهم الرأي من الدول الغربية والخليجية التي تلاقت على مثل هذه الخطوة.

 

ولا ينكر هؤلاء المتابعون انّ أهمية هذه الخطوة بدأت تظهر تباعاً في المواقف التي تلاحقت تمهيداً لدخول المرحلة التالية التي تتحدث عن وقف ثابت لإطلاق النار وضمان انسحاب اسرائيل من النقاط الخمس المحتلة في جنوب لبنان، والتي زادت في الفترة الأخيرة إلى أن أضحت 7 بعد إحداث موقعين جديدين، عدا عن المساحة التي فرضتها بالنار في محيط كل نقطة من هذه النقاط، فوسعت من محيطها الأمني المكشوف، إلى مدى أوسع من مجموعة التلال والمراكز التي احتفظت بها منذ 18 شباط الماضي الذي كان موعداً نهائياً للانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة وفق المرحلة الثانية التي تلت مهلة الأيام الـ60، إيذاناً بوقف حرب «الإلهاء والإسناد» بأيامها الـ66.

 

على هذه الخلفيات، فُهمت تحركات سلام الناشطة، حيث قصد عين التينة بعد يومين على مغادرة برّاك، طارحاً على رئيس مجلس النواب نبيه بري موضوع الجلسة الحكومية المخصصة للبتّ بمصير السلاح بقرار حكومي طوعي يلبّي ما تحتاجه خطوات مرحلة الإنسحاب الإسرائيلي وإطلاق عملية الإعمار، التي باتت رهن أي خطوة يستغلها الأميركيون لفرض تطبيق الخطوات المتأخّرة التي كان على تل أبيب القيام بها من قبل. ولما لم يحصل سلام من بري على ما أراده من موافقة مسبقة، تريث في الإقدام على أي خطوة، فكانت زيارة باريس التي حضّته على التعجيل، فعاد منها داعياً إلى استعجالها. ولما قَصَد عين التينة مجدداً بعد لقاء جمع بري مع رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لهذه الغاية، عاد إلى القصرالجمهوري قبيل سفر عون إلى الجزائر، للبحث في الخطوات العملية الملحّة.

 

وانطلاقاً من مجموعة الاتصالات ونتائجها غير المحسومة، جاءت الجلسة التشريعية التي دعا بري إليها اليوم، في الموعد الذي كان مقرّراً لانعقاد جلسة مجلس الوزراء التي ينتظرها سلام ومعه واشنطن وباريس والرياض ومثيلاتها من العواصم الصديقة بفارغ الصبر، ما فرض على سلام تأجيلها إلى الثلاثاء المقبل، متسلحاً بموافقة رئيس الجمهورية، في انتظار تليين موقف بري الذي يربط جدول أعمال الجلسة بما تضمّنه خطاب القَسَم والبيان الوزاري، وهي قضايا كافية ليتوافر الحدّ الأدنى من الإجماع الذي يحول دون تطيير الحكومة إن انحدرت المواقف بتسرّع في الاتجاهين المتناقضين.

 

وفي المعلومات، انّه وبالإضافة إلى الضغوط التي تتعرّض لها الحكومة بمقدار 360 درجة حسب قول أحد الوزراء «السياديين»، فإنّ عدداً من الوزراء يتّجهون إلى الدعوة إلى التصويت في الجلسة على بند السلاح، أياً كانت الصيغة المطروحة، وهم يشكّلون قوة وزارية مهمّة، الأمر الذي يحاول عون وسلام تجنّبه منعاً لتطيير الحكومة، ففي الحالتين إن لم يتوافر التوافق المطلوب سيستقيل الفريق الوزاري الذي لن يفوز بالتصويت، لتكون النتيجة على مستوى وحدة الحكومة هي نفسها في الحالتين.

 

وعليه، يرى العارفون انّ سلام بات «بين شاقوفين»، أحدهما ينحو إلى التشدّد للإسراع في اتخاذ قرار الانتهاء من السلاح، والآخر يدعو إلى الاستثمار في إبقائه بحجة كونه «قوة حامية». وهي نظرية باتت تخضع للتشكيك المتواصل نتيجة التجارب السابقة ولدى أكثر من طرف. ولم يعد هناك مَن يؤمن بأنّ لهذا السلاح أي دور إقليمي كان يتمتع به، ولا داخلياً، بمقدار ما بات يشكّل قلقاً للداخل وسبباً لعمليات عسكرية إسرائيلية يُستدرج اليها، وقد تتخذ منحى خطيراً يمكن تجنّبه اليوم قبل الغد، لأنّه وبمرور كل يوم ترتفع الكلفة المقدّرة لأي خطوة متهورة ومذهلة، إلى درجة بات فيها البلد على قاب قوسين او أدنى من الانفراج او الإنفجار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى