
كتبت ندى أندراوس في المدن:
الثلاثاء المقبل، تُعقد في القصر الجمهوري في بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية جوزاف عون، جلسة لمجلس الوزراء يُفترض أن تشكّل محطة مفصلية في النقاش الدستوري والسياسي حول واحدة من أكثر القضايا إشكالًا: سلاح حزب الله.
على الطاولة مداولات قد تتخذ منحًى حاسمًا إذا أفضت إلى موقف رسميّ موحَّد يصدر عن مجلس الوزراء، في ظلّ اتصالات مكثّفة تُجرى في الكواليس لضمان مشاركة جميع الأطراف، باستثناء وزيري المال والعمل ياسين جابر ومحمد حيدر المحسوبين على ثنائي “أمل ـ حزب الله”، إذ أبلغا مسبقًا تعذّر حضورهما بداعي السفر، إضافةً إلى وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي الغائب هو الآخر للسبب نفسه.
الأنظار تتجه خصوصًا إلى من سيحضر ممّن بقي من وزراء الثنائي، ولا سيّما وزيري البيئة والصحة، وسط ترقّب لموقف وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي، الذي لم يتغيّب عن أي جلسة سابقة وكان موقفه مغايرًا في أكثر من محطة لمواقف الوزراء الشيعة الآخرين.
اتصالات التهدئة والحضور
تُبذَل كل الجهود، بحسب مصادر وزارية، لضمان مشاركة الوزراء الذين لم يسافروا، بهدف تأمين أجواء حوار هادئ ومُنتِج داخل الجلسة، بما يمنع انفجار الخلافات أو تحوّل الجلسة إلى ساحة سجالات سياسية لا طائل منها. فالجلسة، وفق ما تصفها مصادر مقرَّبة من الثنائي لـ”المدن”، هي جلسة متابعة للنقاش حول ملف السلاح وليست جلسة تقرير أو حسم نهائي، “كي لا يفوت أحد هذا التفصيل المهم”.
وترى تلك المصادر أنّه لا جديد على مستوى النقاش، إذ تمّ الاتفاق في 27 تشرين الثاني 2024 على إطار واضح للحوار حول السلاح وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار. “ولا يغيب عن بال أحد أنّ الموفد الأميركي توم براك أتى إلى بيروت ثلاث مرّات في سياق هذا المسار، وبقي الموقف اللبناني موحَّدًا، وإنْ تفاوتت الأجوبة الأميركية من مرّة إلى أخرى. لذا فإنّ الموقف الموحَّد غير مُستبعَد في جلسة الثلاثاء، ومن الأفضل ألّا يقفز أحد فوق السطوح”، كما ترجّح مصادر الثنائي.
في هذا السياق، ما يجري اليوم هو استكمال للحوار الذي فُتح تحت مظلّة المؤسسات الدستورية التي يترأسها رئيس الجمهورية جوزاف عون، وبالتالي “سيشارك الثنائي في الجلسة لأنّها استكمال لحوار بدأ في مرحلة سابقة”. غير أنّه لا يمكن استباق ما سيجري داخل الجلسة أو تحميلها نتائج مسبقة: “لنوصل عليها منصلي عليها”. فكما لم يُسجَّل اعتراض على خطاب رئيس الجمهورية في عيد الجيش، قد لا يُسجَّل اعتراض على أيّ موقف يصدر بالتوافق. “قد لا يكون هناك صدام داخل الجلسة… النتيجة تُبنى بعد النقاش، لا قبله”.
سيناريو الجلسة
في ضوء هذه المعطيات، وبناءً على مصادر مطَّلعة على موقف بعبدا، فإنّ السيناريو المرسوم هو استكمال النقاش داخل مجلس الوزراء، وأن يُقترح في ختامه -سواء من قِبَل رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة- إصدار بيان أو موقف أو قرار، إذا ما تمّ التوصّل إلى اتفاق جميع مكوّنات المجلس، يعكس رأيًا موحَّدًا، على أن يكون منسَّقًا في مضمونه مع خطاب القسم والبيان الوزاري وخطاب اليرزة الأخير. وبحسب معلومات “المدن”، يُعمَل على إعداد ورقة أو مسودّة تُعرَض على طاولة المجلس، تتضمّن تأكيدًا صريحًا على حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، وآلية تنفيذ واضحة لتسليم السلاح.
غير أنّ التحدّي يبقى في ما إذا كانت هذه الورقة ستتضمّن جدولًا زمنيًّا واضحًا ومهلًا، أم ستكتفي بتأكيد المبادئ العامة. مصادر مطَّلعة تعتبر أنّ نجاح هذا السيناريو رهن الاتصالات الجارية وحجم التوافق ومدى سلاسة الجلسة، مع عدم استبعادها شدَّ حبال متوقَّعًا بين وزراء “القوات اللبنانية” و”الكتائب” من جهة ووزراء الثنائي من جهة مقابلة.
“القوات” و”الكتائب”: لا تنازل عن الجدول الزمني
تذهب “القوات اللبنانية”، كما “الكتائب اللبنانية”، إلى الجلسة بموقف واضح لا لُبس فيه: لا جدوى من التكرار الخطابي ما لم يُقترن بخطوات عملية. فبحسب ما أوضحت مصادر معراب لـ”المدن”، كان خطاب الرئيس عون في عيد الجيش تطوّرًا نوعيًّا؛ إذ سمّى حزب الله بالاسم ودعا صراحة إلى تسليم سلاحه، واضعًا المواطن والبيئة المؤيِّدة أمام خيار مصيري بين الانهيار والاستقرار، حيث لا ضمانة سوى الدولة والجيش.
وترى هذه المصادر أنّ الخطاب المنطلق من خطاب القسم حافظ على ثباته ولم يتبدّل، غير أنّ الإشكالية تكمن – كما عبّر الموفد الأميركي توم براك نفسه – في غياب الترجمة الفعلية.
تريد “القوات” ترجمة هذا الخطاب إلى خطوات ملموسة تبدأ بإقرار جدول زمني واضح لتسليم السلاح، وفق اتفاق الطائف، وخطاب القسم، واتفاق وقف إطلاق النار، وخطاب اليرزة، والبيان الوزاري، وإلّا فإنّ الحكومة ستدور في حلقة مفرغة. “فالنقاش مع حزب الله حصل منذ أكثر من ستة أشهر، وحان الوقت لوضع الأمور على سكّة التنفيذ العملي، بدءًا من الجدول الزمني لتسليم السلاح، الذي من خلاله تبسط الدولة سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية. خلاف ذلك نكون ندور في حلقة مدمّرة”.
تؤكّد مصادر “القوات” أنّ وزراءها ذاهبون إلى الجلسة لإقرار هذا الجدول الزمني “كخطوة سياديّة تضع حدًّا لخمسةٍ وثلاثين عامًا من الواقع الشاذّ، وتمنع أيّ مغامرة قد تجرّ لبنان إلى حرب جديدة مع إسرائيل. وفي حال لم يُقرّ الجدول، فإنّ لكلّ حادث حديث”.
من جهتها، تصرّ “الكتائب اللبنانية” على موقف مشترك مع سائر القوى المطالِبة بالحسم؛ فهي تطالب بجدول زمني وآليّة واضحة بعيدًا من أيّ مماطلة، وترى أنّ القرار الذي سيُتّخذ يجب ألّا يحتمل التأويل أو التراجع. لكنّها في الوقت نفسه لا تشاء استباق النقاش في الجلسة: “بالنتائج التي نصل إليها، نبني على الشيء مقتضاه”.
“الاشتراكي”: وضوح في الأهداف… مرونة في المقاربة
يلتزم “الحزب التقدمي الاشتراكي” خطًّا حواريًّا مرنًا مع رئيسَي الجمهورية والحكومة، متمسّكًا بمضمون خطاب القسم والبيان الوزاري. “فما ورد في النصّين واضح، ونحن ننتظر ما قد يطرحه عون وسلام”. تؤكّد مصادر “الاشتراكي” لـ”المدن” أنّه ليس في وارد الانخراط في أيّ اصطفافات سياسية مسبقة، ويفضّل أن يفصل نفسه عن مواقف الأطراف الأخرى؛ إذ لديه مقاربته الخاصة وكلمته بمعزل عن أيّ طرف، على الرغم من التنسيق والتواصل مع حزبي “القوات” و”الكتائب”. لكنّ المصادر نفسها لفتت أيضًا عناية حزب الله إلى أنّه انتخب الرئيس عون، كما وافق على البيان الوزاري الواضح في موضوع السلاح، وشارك في الحكومة. “على أيّ حال، لا نريد استباق مداولات جلسة الثلاثاء والاتصالات التي ستستمر حتى اللحظة الأخيرة التي تسبق الجلسة”، تختم المصادر.
بغضّ النظر عمّا إذا كانت جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء جلسة يُستكمل فيها النقاش الذي بدأ في أيّار الماضي – كما ترى مصادر الثنائي – وبالتالي “لا جديد ولا مستغرَب على مستوى طبيعة هذا النقاش”، فإنّ الواقع يُحيل إلى أنّ جلسة الثلاثاء في بعبدا ليست كسائر اجتماعات الحكومة أو حوارات السلاح؛ فهي يوم امتحان فعليّ للنيات السياسية ولقدرة الدولة على فرض رؤيتها السيادية في ملف السلاح. كما أنّ نجاح الجلسة يبقى رهن تَوافُر الإرادة المشتركة لتجاوز أيّ فخّ أو نيّة مسبقة لدى هذا الفريق أو ذاك لتفجير الحكومة من داخل بعبدا، وبالتالي نقل لبنان من دائرة المراوحة الحذرة إلى مسار مفتوح على كلّ الأزمات الأمنية والعسكرية – وتحديدًا السياسية – في لحظة دقيقة من تاريخ لبنان الوطن الذي بات مُهدَّدًا بوجوده.