
كتبت نجوى أبي حيدر:
قبل خمسة اعوام بالتمام واثر جريمة العصر التي هزّت العالم بأسره، الا مرتكبيها من بين بعض المسؤولين في لبنان، خرج رئيس الجمهورية ميشال عون آنذاك، مشحوناً بالعواطف، ليعِد اللبنانيين “ان التحقيقات ستبدأ منذ اللحظة وستستغرق خمسة ايام على الاكثر”.
مرت الايام الخمسة ومثلها الاسابيع وبعدها الاشهر، لتُطبقَ، يوم امس الاعوام الخمسة والحقيقة لم تُعلن، ليس لتقصير قضائي انما لأن العهد السابق وما تلاه من سنوات شغور رئاسي كان خاضعاً لسطوة المرتكبين وفائض قوة من تجرأ على تهديد القضاة والمحقق العدلي في افظع كارثة انسانية على الاطلاق حصدت ارواح اكثر من 220 بريئاً والاف الجرحى والمفقودين وحوّلت بيروت مدينة منكوبة. ولأن العهد آنذاك افتقد الى الجرأة في القرار او في ابسط الاحوال كانت المصلحة تقتضي ذلك، وعلى رغم مناشدات اهالي الضحايا ودموع الامهات الثكالى والاخوة المناضلين في سبيل اظهار الحقيقة ومحاسبة من قتل اخوتهم، لم تبدأ التحقيقات ولم تأخذ العدالة مجراها في الايام الخمسة، فجوبه الاهالي الذين تظاهروا مطالبة بالحقيقة عبر تحقيق دولي بالقمع والقوة، واضطر الرئيس ميشال عون للاعلان بعد مدة، ان التحقيق في انفجار المرفأ معقد للغاية ولن ينتهي بسرعة. وبعد حين اعلن المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية ان “الرئيس (ميشال عون) يعتبر ان المطالبة بتحقيق دولي في قضية المرفأ الهدف منه تضييع الوقت، ويجب على القضاء ان يكون سريعاً من دون تسرع للتأكيد من هو المجرم ومن هو البريء”. وفي الاعقاب اطلّ الامين العام لحزب الله حسن نصرالله حينها، ليقول في احد خطاباته ” لا علاقة لنا بما جرى لان لا وجود لنا في المرفأ ونحن غير معنيين”.
منذ ذلك الحين، وعوض تسريع وتيرة التحقيقات لبلوغ الحقيقة الموعودة، انطلقت بسرعة فائقة عجلات قطار عرقلة التحقيق، تارة باتهامه بالتسيّس، وأخرى بتهديد القاضي طارق البيطار مباشرة من مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا، وصولا الى طلب الحزب من المسؤولين طي الملف واجبار شركات التأمين على دفع الاضرار، وتطيير المحقق العدلي الاول فادي صوان، وتعيين القاضي طارق البيطارخلفاً، ورفض المتهمين والمستدعين للتحقيق من وزراء ونواب حاليين وسابقين ومسؤولين امنيين وقضاة وكبارالموظفين، وجميعهم من المحور الممانع، المثول امام القاضي بيطار اثر استدعائهم، وسعيهم الى عرقلة التحقيق من خلال دعاوى المخاصمة، والتلطي خلف عدم صلاحية البيطار لانهم لا يمثلون الا امام محكمة الرؤساء والوزراء وتمترس آخرين خلف حصانتهم. وبلغت الامور ذروتها مع نجاح هؤلاء في تكريس الفرقة والتشرذم بين اهالي الضحايا من الباب المذهبي لتعطيل دورهم وفاعليتهم.
هذا العام اختلف المشهد. التحقيقات استؤنفت والقرار الظني بات قاب قوسين في انتظار اجابات عن استنابات وجهها إلى ست دول عربية وأوروبية، طالباً مساعدتها في الحصول على معلومات مرتبطة بالتحقيق ليحال لاحقا الى المجلس العدلي . اركان الدولة شاركوا في فاعليات عدة اقيمت في الذكرى الخامسة للفاجعة. والرئيس جوزاف عون قال في المناسبة “عاهدت الشعب اللبناني منذ توليت مسؤولياتي الدستورية على أن تكون محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الكبرى أولوية قصوى، وأن لا يفلت من العقاب كل من تسبب بإهماله أو تقصيره أو فساده في هذه الكارثة الإنسانية”. فهل يتحقق في عهد الرئيس جوزاف عون، في ظل مجمل الظروف المحيطة بالبلاد والتغييرات التي طرأت على المشهدين الاقليمي والداخلي وبعد خمس سنوات، ما لم يكن ممكناً او مُراداً في عهد الرئيس ميشال عون؟
الاسابيع المقبلة لا بدّ سترفع الستارة عمن تلطى خلفها والقرار الاتهامي سيبلسم جراح كل متضررٍ من الفاجعة، ولو بعد حين.