
كتب سامر زريق في نداء الوطن:
ما بين جيوش المغرّدين و «الفسابكة»، وفرسان الدرّاجات النارية من زمر البلطجية وذوي مذكرات التوقيف المتدثرين بعباءة «الثنائي»، تبرز مواقف متطرّفة لرجال دين في مواقع اعتبارية يدينون لـ«الثنائي» بوصولهم إليها، وعلى رأسهم نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، الشيخ علي الخطيب، الذي توجّه بالاسم إلى رئيس الحكومة خلال ندوة، يوم الثلثاء، أعقبت جلسة حصرية السلاح، بكلام يتجاوز اللياقات وأدبيات التخاطب والنقد قائلًا له «سوّد الله وجوهكم».
ومع ذلك، ورغم حصول الرئيس نواف سلام على دعم «دار الفتوى»، إلّا أنه لم يسعَ إلى استثماره في البحث عن مشروعية سنية، يعرف القاصي والداني أنها غير متوفرة إلّا بحدود ضيّقة لا تتجاوز العلاقة التقليدية بين عرش السراي وعمامة «عائشة بكار»، كما أنه لم يلجأ إلى تفعيل صراع العمائم لحماية موقعه بدرع مذهبي تقليدي.
بعيدًا من الإطراء المفتعل أو الرياء، خاض الرئيس نواف سلام معركة «حصرية السلاح» بجولاتها الساخنة والمتواصلة على طاولة مجلس الوزراء بواقعية رجل الدولة، وما يتسم به من صلابة وشجاعة في تحمّل أعباء اتخاذ القرارات الصعبة في اللحظات المصيرية، بما يقود إلى إعادة تعريف دور رئيس الحكومة في معادلة الحكم والسلطة، كرجل يرتدي عمامة صاحب الدولة، ويدرك حدود مسؤولياته والتحدّيات التي يجبهها.
فبعدما طغت هوية الزعامة وحسابات السياسة ومصالحها على هوية رئيس الحكومة ونهجه خلال العقدين الماضيين، فإنّ المواجهة الضارية التي يخوضها الرئيس نواف سلام تعيد إبراز مدى أهمية أن يكون رئيس الحكومة رجل دولة قبل أن يكون سياسيًا أو زعيمًا، بما يتيح له هامشًا واسعًا لإرساء قواعد حكم أكثر مرونة وإنتاجية تعينه على المضيّ في خيارات جريئة، انطلاقًا من محدودية حساباته، وتركيزه على المصلحة العامة على حساب المصالح الضيّقة، وعلى رؤية مختلفة أكثر توازنًا في صياغة التحالفات داخل مجلس الوزراء، وعلى بناء علاقة منتجة مع رئيس الجمهورية تقوم على الانسجام والتفاهم وتبادل الأدوار لا على التصادم.
من خلال المقارنة بين تجربة الرئيس نواف سلام وأسلافه، يمكن الوقوف على الفارق بين نموذج رجل الدولة والزعيم في السراي. فلو كان سعد الحريري هو رئيس الحكومة لما كان بالإمكان إقرار حصرية السلاح وورقة الموفد الأميركي توم برّاك، بسبب التداخل