سلايدات

طارق متري… نائب لرئيس حكومة لبنان أم لنعيم قاسم؟

كتب سامر زريق في نداء الوطن:

واصل نائب رئيس الحكومة طارق متري أداءه الصادم وسلسلة إطلالاته الإعلامية الكارثية. في لحظة مشحونة، وعوض أن يلعب الدور الذي توسّمه فيه الرئيس نواف سلام بأن يكون رافعة سياسية لحكومته، بالاستناد إلى إرثه السياسي والأكاديمي، خرج في حوار تلفزيوني يوم السبت بموقف صادم، أعلن فيه عن سقوط الورقة الأميركية، وأن الحكومة صارت في حل من الالتزام بها.

متري وجه ضربة مضاعفة إلى الحكومة عشية جلستها المنتظرة لبحث خطة الجيش لحصر السلاح، لكونه أضعف موقفها العام، والصمود الاستثنائي الذي يبديه رئيسها إزاء كل الضغوطات القاسية، والحملات التي تشن عليه. ومضاعفتها تأتي من صدور الموقف عن سياسي متمرس يدرك أكثر من غيره، ودرّس ذلك لطلابه سابقًا، بأن قرارًا استراتيجيًا من هذا الوزن يمسّ مصالح الدولة العليا ومستقبلها يصدر عن الحكومة مجتمعة، ولا يمكن مقاربته بهذا الشكل غير المسؤول.

وإذا كان أداء متري منذ تشكيل الحكومة يتماهى مع مواقف “الثنائي الشيعي” وأهدافه بشكل غير مفهوم لا ينسجم مع البيان الوزاري، ويسبب إحراجًا للرئيس سلام، في الداخل كما أمام الداعمين الخارجيين، دفعه إلى إبعاده عن الواجهة، فإن لحظة إعلانه سقوط “ورقة براك” ببساطة لا تتسق مع الفقه السياسي، أظهرته وكأنه ليس نائبًا لرئيس الحكومة، بل نائبًا للأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم.

ربما ينبع ذلك من صعوبة التحرر من قيم مذهب سياسي آمن به منذ شبابه، تتداخل فيه القومية العربية باليسارية الثورية، لا يزال يرى أن “الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني جزءًا مهمًا من نضال الشعوب لاستعادة حقوقهم”. هذه العبارة وردت في بيان أصدرته مجموعة من المثقفين، بينهم متري، اجتمعوا في تشرين الثاني 1979 في “النادي الثقافي العربي”، الذي يرأسه الرئيس فؤاد السنيورة، لدعم الثورة الخمينية في معركتها مع أميركا.

موقف متري أتى ليدهن زيتًا على ماكينات “الحزب” الإعلامية والإلكترونية، حيث اتخذت منه دليلًا لتدعيم وتكثيف الدعاية التي تبثها منذ أيام، وتمزج فيها بين الإعلان عن سقوط الورقة الأميركية وتجميد مفاعيل قرار سحب السلاح بقرار تصدره الحكومة في جلستها المقبلة، والتي تندرج ضمن حملة الضغوط المشددة على رئيس الحكومة وقائد الجيش.

تحول كلام متري إلى عامل استقطابي حاد أسهم في حرف النقاش عن موضعه إلى المكان الذي يريده “الحزب” تمامًا، وحجب الضوء عن أن معالجة سلاحه هو التزام في البيان الوزاري يندرج ضمن تطبيق “اتفاق الطائف”، وأن الورقة الأميركية أقرت الحكومة أهدافها فقط، وفي جلسة منفصلة. هذه الأهداف وافق عليها “الثنائي”، لكن الشريكين يختلفان بينهما ومع الدولة في ترتيب أولوياتها، انطلاقًا من نهج “الحزب” المعروف في التسويف والالتفاف على تعهداته.

وكي نحسن الظن، فإن متري ربما أراد تدعيم الرسائل الصادرة عن مراجع سياسية حول الورقة الأميركية بعد زيارة براك الأخيرة، لكنه أساء تخريج الرسالة وتقدير مفاعيلها، مما اضطره إلى توضيح موقفه في تغريدة رمى فيها كرة المسؤولية على المحاورة، وكأنه حديث عهد بالسياسة وبقواعد اللعبة الإعلامية.

في حين أن رئيس الحكومة، الذي أعاد تصويب ما قاله نائبه، وجه الرسالة المطلوبة وفق قواعد اللعبة، وذلك في مقابلة أجراها منذ 3 أيام مع صحيفة “فايننشال تايمز”، وضع فيها الإصبع على الجرح، بمطالبته المجتمع الدولي، وفي القلب منه أميركا طبعًا، بزيادة الدعم المالي للبنان، وللجيش لمساعدته في تنفيذ قرارات الحكومة “فعلنا ما علينا القيام به، نحن بحاجة إلى دعم من حيث المعدات والتمويل للجيش، ودعم مالي واضح لإعادة الإعمار، ونحن بحاجة إليه الآن”. مقابل مطالبته إسرائيل باختيار أمر واحد على الأقل ووضعه على الطاولة ضمن معادلة “خطوة خطوة”.

مواقف سلام تشكل ردًا ناعمًا ومدروسًا على الضغوط الأميركية الهائلة الرامية إلى تحميل الدولة اللبنانية كرة لهب نزع سلاح “الحزب” والجماعات الموازية، دون دعم جدّي سياسي أو لوجيستي، في موازاة التأكيد على مضي حكومته في تطبيق قراراتها. تظهر المقارنة بين رئيس الحكومة ونائبه في كيفية عرض مسألة حساسة وذات أبعاد دولية، وجود فجوة واضحة لا يمكن لمتري رتقها بوصم الانتقادات التي طالته بـ “الجهالة والبذاءة وسوء النوايا”، وهو كلام لا يليق بسياسي محترف ومخضرم. فليقارن وليحكم بنفسه، هل يستويان مثلًا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى