
كتبت غادة حلاوي في المدن:
بنبرة حاسمة، أطلق رئيس المجلس النيابي نبيه بري خطابه في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، موجّهاً إلى الحكومة رسائل بمفردات واضحة المعاني ودقيقة الصياغة، وهو الأسلوب الذي يبرع فيه عند مخاطبة الداخل قبل الخارج.
تحدث باسم الثنائي الشيعي، ونيابة عنه، فرسم الخطوط الحمر العريضة ذات المعالم الواضحة للتنبيه والاستدراك، معتمداً أسلوباً يجمع بين الليونة من غير ضعف، والقوة من غير عنف.
محور الخطاب كان التمسك بالاستراتيجية الدفاعية التي تعود إلى القسم الذي أطلقه رئيس الجمهورية جوزاف عون عند انتخابه، وهو الاستحقاق الذي مهّد للرئيس بري العبور إليه. فأكد أن تصحيح مسار الحكومة يبدأ بالعودة إلى التمسك بالحوار الوطني، خصوصاً بعد تملص الولايات المتحدة من الورقة التي حاول بعض الداخل تسويقها على أنها مبادرة “صرف لبنانية”.
خطاب غير شعبوي
تحدث بري بلغة مسؤولة تعكس حساسية المرحلة، وما تفرضه من مواقف مبنية على التطورات الإقليمية، وما تضمره إسرائيل من نيات عدوانية تجاه لبنان. وأوضح أن حصرية السلاح لا يمكن أن تتحقق إلا عبر الاستراتيجية الدفاعية، مشدداً على أن المسألة تتعلق بمشاركة وطنية لا طائفية. ومرّر رسالة مفادها أن القرى التي تتعرض لعدوان إسرائيلي ليست شيعية فقط؛ بل هي قرىً مختلطة وأخرى سنية.
أعاد بري النقاش إلى المربع الأول، رافضاً أن تتصرف الحكومة في ملف السلاح وفق رؤيتها أو التزاماتها. وبهذا عطّل الطرح الذي حاول رئيس الحكومة نواف سلام تمريره منذ أشهر، داعياً إلى إعادة النظر في مقاربة السلاح من أساسها.
وفي هذا السياق، قال بري بوضوح: “نحن منفتحون على مناقشة مصير السلاح في إطار حوار توافقي، معتبراً أنه من غير الجائز وطنياً رمي كرة النار في حضن الجيش”، وأكد أن ما تطرحه الورقة الأميركية يتجاوز مبدأ حصر السلاح، ويكاد يُشكّل بديلاً عن اتفاق تشرين الثاني لوقف إطلاق النار، وهو ما يعني أن الثنائي لن يكون معنياً بنقاشها أو بالموافقة على أهدافها.
السلاح بوصفه عزّةً وطنية
برغم إبداء الاستعداد لمناقشة مصير السلاح، شدد بري على اعتباره “عزّ لبنان وشرفه”، داعياً إلى حوار هادئ توافقي تحت سقف الدستور، يرعاه ويديره رئيس الجمهورية جوزاف عون. وبذلك أعاد إلى الرئيس دوره بوصفه حامياً للحوار، قاطعاً الطريق نهائياً على الورقة الأميركية ومنهياً مفاعيلها.
تحدث بري من موقعين: دستوري وسياسي. أنهى مفعول الجلسة التي انسحب منها الوزراء الشيعة، وأسقط الورقة الأميركية، وأنقذ الجيش من تحمّل كرة النار، محدداً للحكومة إطاراً جديداً للعمل. كما هزّ العصا لمن وصفهم بـ”الشياطين” الذين يحملون خطاب الكراهية ضد الشيعة، غامزاً من قناة جهة لبنانية داخلية بالرهان على العدوان الإسرائيلي ونتائجه لإعادة إحياء مشاريع قديمة ولو على ظهر دبابة إسرائيلية. لكنه في المقابل أثنى على اللبنانيين الذين فتحوا منازلهم لأبناء الجنوب، مؤكداً: “لن ننسى هذا أبداً ما حيينا”.
أعاد بري القضية إلى المؤسسات الدستورية، وإلى مفهوم الاستراتيجية الدفاعية، منهياً عملياً مفاعيل الورقة الأميركية. وخرج من مرحلة امتصاص الصدمة بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والحرب التي استمرت 66 يوماً، ليقدّم خطاب المواجهة مع العدو مجدداً تحت عنوان تخلف إسرائيل عن تنفيذ الاتفاق.
ظهَّر بري مكمن الخلاف مع السلطة حول السلاح. قدم توصيفاً للواقع، وأعاد رمي الكرة في ملعب السلطة. ويعكس ما قاله وجود أزمة مرتبطة أيضًا بجلسة الحكومة المقبلة، التي أُرجئ موعد انعقادها إفساحًا في المجال لمزيد من التشاور.
فقد استقبل بري نائب رئيس الحكومة طارق متري والوزير فادي مكي، وكان اتفاق على أنّ الأمور تتجه نحو إعادة صياغة موقف الحكومة من ورقة توم باراك، بصيغة تشبه مبدأ “الخطوة مقابل خطوة”. وتحدث نائب رئيس الحكومة ممهّدًا لهذه الصيغة، وهو الأمر الذي أثار غضب رئيس الحكومة. فاضطر متري إلى التراجع، في حين بقي سلام مصرًّا على موقفه الرافض للتراجع، مستفيدًا من دعم خارجي وداخلي تمثّل بموقف المجلس الشرعي