
كتب نايف عازار في نداء الوطن:
فقد فجّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيرًا “قنبلة رمزية”، تمثّلت في إصداره أمرًا تنفيذيًا قضى بإعادة تسمية “وزارة الدفاع” بـ “وزارة الحرب”، لتعقب خطوته هذه سلسلة قرارات من هذا القبيل كان اتخذها فور دخوله المكتب البيضوي للمرّة الثانية، من بينها تغيير اسم “خليج المكسيك” إلى “خليج أميركا”، فضلًا عن إعادة تسمية قواعد عسكرية سبق أن بدّل أسماءها “سلفه اللدود” جو بايدن.
لا ريب في أنّ قائد “العالم الحرّ” ذا الشخصية المثيرة للجدل والاهتمام في آن، تعتريه رغبة جامحة في ترك إرث مدوّ بعد خروجه من البيت الأبيض، يكون علامة فارقة تتناقلها الأجيال الأميركية المقبلة، فـ “الممثل السابق” يتقن بلا شك لفت أنظار وسائل الإعلام العالمية، كما يجيد الشغوف بالفنون القتالية توجيه “لكمات سياسية” قاضية إلى أعداء بلاده، وموجِعة إلى خصومه الداخليين.
ويدرج الخبراء خطوة تسمية “وزارة الحرب” في سياق استعدادات الولايات المتحدة للعودة إلى عصر “المواجهات المباشرة”، في ظلّ تصاعد لهيب الحرب الروسية – الأوكرانية في “القارة العجوز”، وتداعياتها الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية على العالم بأسره، وقد فشل ترامب في وضع حدّ سريع لها كما كان وعد ناخبيه خلال حملته الانتخابية، ناهيك باستمرار الحروب الإسرائيلية التي تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط، وإخفاق الرئيس الأميركي حتى الآن في إبرام اتفاق بين تل أبيب وحركة “حماس”، يضع حدًّا للحرب في قطاع غزة المنكوب، ويطلق من تبقّى من أسرى إسرائيليين في شباك “حماس”.
يشير المراقبون أيضًا إلى التوقيت الذي انتقاه ترامب لتوجيه رسائل ممهورة بطابع عسكري مخيف إلى من يعنيهم الأمر، عبر تبديل اسم “وزارة الدفاع” إلى “وزارة الحرب”، والذي أتى بعد يومين فقط من العراضة العسكرية الصينية غير المسبوقة، التي أقلقت واشنطن بلا شك، خصوصًا أنها تمّت في حضرة الرئيس الصيني ونظيريه الروسي والكوري الشمالي ومن خلفهم الرئيس الإيراني، وكانت لافتة “الصورة الودية” التاريخية التي جمعت القادة الثلاثة، والذين لا يدورون أبدًا في فلك الرئيس الأميركي، بل يسعون جاهدين إلى مقارعة “الهيمنة الأميركية” في كافة أصقاع الأرض، وتسديد “أهداف قاتلة” في مرمى “الأحادية الأميركية”.
في الداخل الأميركي، يرنو الرئيس إلى استخدام التسمية الجديدة كورقة سياسية ضدّ منتقديه الكثر، وخصومه الديمقراطيين، الذين لا يجدون مبرّرًا لتغيير التسمية سوى إظهار القوّة والاستعراض، باعتبار أن بلادهم ليست في حال حرب، ولا حتى حرب باردة، ومن وجهة نظرهم، كان يُفترض بالإدارة الجديدة أن توقف الحروب كما وعدت، لا أن تساهم في “إشعال وقودها”.
ما يلفت المتابعين أيضًا، التناقض الحادّ في قرارات ترامب، فمِن ناحية يسعى إلى دخول التاريخ بنيله جائزة “نوبل للسلام”، ومن ناحية ثانية ينتقي تسمية “الحرب” بدل “الدفاع”. فكيف لساعٍ إلى السلام أن يتفاخر بخوض الحروب وبمفرداتها، في وقت اختارت فيه إسرائيل تسمية جيشها “جيش الدفاع”، منتحلةً “صفة الضحية”، علمًا أن هذا الجيش لم يكن يومًا بموقع الدفاع في تاريخه، بل لطالما هاجم جيرانه العرب ولا يزال، مرتكبًا بحقهم المجازر.
“المداميك الأولى” لتسمية “وزارة الحرب” في التاريخ الأميركي وُضعت عام 1789 إبّان عهد الرئيس جورج واشنطن، وبقيت تحمل هذا الاسم حتى عام 1947 حين انقسمت الوزارة إلى وزارة الجيش ووزارة القوات الجوية. وعام 1949، أطلق الرئيس في حينها هاري ترومان على الوزارة تسمية “وزارة الدفاع”، وغاية ترومان كانت وقتذاك منح رئيس “البنتاغون” صلاحيات مركزية واسعة على مختلف قطعات قوات الجيش، خصوصًا البحرية منها، التي كانت تتمتع باستقلالية كبيرة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. ووفق المؤرّخين، اختير اسم “وزارة الدفاع” في ذاك “العصر النووي”، للإيحاء بأن الولايات المتحدة تركّز وتسعى إلى منع الحروب، وليس لإيقاظها.
يبقى أن ترامب رئيس غريب الأطوار، يتمتع بشخصية صاخبة وبراغماتية ومقلقة ومرحة في آن، حيّرت المراقبين ولا تزال. فهل خطوته الأخيرة شكلية وتحمل رمزية تاريخية فقط، أم أن تغيير تسمية الوزارة من “الدفاع” إلى “الحرب” يحمل في طياته “نيّات هجومية”، تُنذر بتوجيه بلاده ضربة عسكرية وشيكة إلى عدوّ ما؟