سلايدات

فصلٌ بين «المبادرة» والسلاح؟

كتب طارق ترشيشي في الجمهورية:

بين السياسيين الديبلوماسيين من بدأ هذه الأيام التي تصادف الذكرى الأولى لاستشهاد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، بمراجعة الواقع اللبناني من الماضي إلى الحاضر، ليخرج باستنتاجات منها ما يسمّونه «التساوي في الفواجع»، بمعنى أنّ الطوائف الكبرى أُصيب كل منها بفاجعة فقدان قائدها السياسي، من الزعيم كمال جنبلاط عند الدروز إلى الرئيس بشير الجميل عند المسيحيين والرئيس رفيق الحريري عند السنّة والسيد نصرالله عند الشيعة، من دون أن ينسوا قيادات وشخصيات كبيرة أخرى فقدتها هذه الطوائف، ليخرج باستناج، هو أنّ هذه الفواجع ينبغي أن تشكّل حافزاً على التوافق والخروج من أزمنة الخصومة والاختلاف، خصوصاً أنّ لبنان يعيش مرحلة حساسة، تفرض على كل مكوناته السياسية والطائفية الاتحاد، لدرء المخاطر الكبرى التي تحيق بلبنان والمنطقة.

ينظر كثير من المتتبعين للوضع اللبناني إلى الأشهر الثلاثة المتبقية من هذه السنة على أنّها ستكون حاسمة في ما يتعلق بتنفيذ ورقة الأهداف الأميركية (التي لم تتخلّ واشنطن عنها)، والقرار الحكومي الذي تبنّاها، وخصوصاً في موضوع «حصرية السلاح في يد الدولة» خلال مهلة أقصاها نهاية السنة الجارية، ذلك انّ بعض العواصم والقوى الدولية الفاعلة، تعتبر أنّ إنجاز الخطوة من شأنه أن يدفع لبنان قدماً إلى آفاق الانفراج.

وتقول أوساط سياسية مشاركة في الاتصالات، إنّ كثيراً من المعنيين في الداخل والخارج يعلّقون آمالاً على تنفيذ خطة قيادة الجيش لحصرية السلاح، بدءاً من جنوب الليطاني، والتي رحّب بها مجلس الوزراء في جلسة 7 أيلول الشهيرة، حيث أنّها وضعت هذا الملف في إطار المعالجة الهادئة ضمن «استراتيجية الأمن الوطني»، واشترطت (أي الخطة) لضمان نجاح هذه المعالجة، أن تلتزم إسرائيل وقف إطلاق النار وتنسحب إلى خلف الحدود تنفيذاً للقرار الدولي 1701، بما يمكن الجيش من استكمال انتشاره فيها إلى جانب قوات «اليونيفيل»، وكذلك بما يمكن سكان المنطقة من العودة إلى بلداتهم والتحضير لإعادة إعمارها كونها مدمّرة كلياً تقريباً. على أن يتفرّغ الجيش بعد ذلك لاستكمال تنفيذ خطته شمال الليطاني وصولاً إلى بقية المناطق، في الوقت الذي يكون بدأ التحضير العملي لوضع استراتيجية الأمن الوطني التي تحدّد مصير سلاح المقاومة وسبل استفادة الدولة منه. فهذه الاستراتيجية منصوص عنها وملتزم بها في البيان الوزاري للحكومة وقبله في خطاب القَسَم الرئاسي.

ولكن هذه الأوساط السياسية المعنية، التي لها باع طويل في مواكبة التطورات الجارية بين السلاح والقضايا الأخرى التي تتصدّى لها السلطة عموماً، وبين مبادرة «حزب الله» الأخيرة للحوار مع المملكة العربية السعودية وفتح صفحة جديدة معها. وتقول إنّ الموقف من هذه المبادرة هو ملك القيادة العليا في المملكة العربية السعودية، حيث انّ الحزب مصنّف لديها وبقية دول مجلس تعاون الخليجي على أنّه «منظمة ارهابية»، وبالتالي فإنّ استمرار التعاطي معه على هذا الأساس من عدمه، أمر يعود إلى القيادة السعودية، كما يرتبط بما ستكون عليه توجّهات الحزب ومواقفه وتعاطيه السياسي الراهن والمستقبلي على الصعيد الداخلي اللبناني، كذلك يرتبط هذا الموقف بحركة التطورات التي تشهدها المنطقة، خصوصاً بعد الغارة الإسرائيلية على الدوحة، وكذلك بعد حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «تحقيق السلام» في الشرق الأوسط ضمن إطار خطته لوقف الحرب على غزة، والتي وافقت إسرائيل عليها، وهي تنتظر موقف حركة «حماس».

 

وتلمّح هذه الأوساط، إلى أنّ ربط حصرية السلاح أو نزعه بمختلف القضايا الداخلية والخارجية المطروحة في شأن معالجة الأزمة اللبنانية، موجود في اهتمامات كثير من المتعاطين بالشأن اللبناني، من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها اللبنانيين والإقليميين إلى غيرهم. وهذا الامر يدفع البعض إلى التخوف على مصير استحقاق الانتخابات النيابية المقرّرة في أيار المقبل. اذ يُخشى من إقدام بعض الأفرقاء في الداخل على التلويح بتعطيل الانتخابات إذا لم يسبقها نزع السلاح، خصوصاً انّ بعض العواصم والجهات الدولية الفاعلة تتماهى في الموقف مع هؤلاء الأفرقاء، علماً انّها هي في الأصل من طالب السلطة اللبنانية بتبديل أولوياتها باتخاذ القرار الحكومي بحصرية السلاح الآن، فيما الأولوية هي إلزام إسرائيل بوقف النار والانسحاب من المناطق المحتلة تنفيذاً للقرار الدولي 1701 وإعادة الأسرى وإطلاق ورشة إعمار ما هدّمته الحرب.

 

لذلك، وفي المناخ السائد حالياً وبعد ما حصل في الجلسة النيابية الأخيرة، فإنّ مصير الاستحقاق النيابي بدأ يلفّه غموض شديد، يعزز فرضية التمديد للمجلس الحالي، خصوصاً أنّ تنفيذ قرار نزع السلاح ليس بالأمر المتيسر سريعاً الآن ولا في المرحلة الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية، خصوصاً إذا استمرت إسرائيل في اعتداءاتها ولم تنسحب ولم توقف الحروب التي تشنها هنا وهناك، سعياً لهدفها «تغيير وجه الشرق الاوسط» الذي يتمسك به نتنياهو.

 

وتعتقد هذه الأوساط، وبعضها نيابي، أنّ ما يحصل من مساجلات وجدال حول قانون الانتخاب العتيد، من زاوية تمكين المغتربين من الاقتراع للـ 128 نائباً أسوة بالناخبين المقيمين، هو من الذرائع التي يمكن أن تُستخدم لتعزيز فرضية التمديد للمجلس الحالي إلى حين نزع السلاح. فالمعارضون للحزب يعتبرون أنّه بعد فعالية إضاءة صخرة الروشة بصور أمينيه العامين السيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، ازداد تمسكاً بالسلاح او ما يسمّونه «استمرار سيطرته على القرار»، بعد الضربات الكبيرة التي تعرّض لها في الحرب الأخيرة «وأضعفت قدراته وإمكاناته العسكرية والسياسية»، حسبما يقولون. في حين أنّ مؤيديه يرون العكس، ويعتبرون أنّه بنجاحه في إضاءة صخرة الروشة، ومن خلال الحشد الجماهيري الذي واكبه «أثبت انّه ما زال قوياً ولا يمكن شطبه من المعادلة الداخلية والإقليمية» في مواجهة القائلين بأنّه «انهزم وتراجع وبات فاقد التأثير في المعادلتين الداخلية والإقليمية».

 

وإذ تربط الأوساط السياسية إياها مبادرة الحزب تجاه الرياض بـ»براغماتيته المعهودة»، والتي يعتمدها في كثير من المحطات التي يمرّ فيها، حسب قولها، فإنّها في الوقت نفسه ترى أنّ هذه المبادرة لم تأتِ من فراغ، وإنما بناءً على مراجعة أجراها للواقع السائد الذي استجد منذ عملية «طوفان الأقصى» ومن تلاها من «حرب إسناد» ثم الحرب التي شنتها إسرائيل عليه ولم تنته فصولاً بعد، وبعدها سقوط النظام السوري والإجهاز الإسرائيلي على كل البنى العسكرية والاستراتيجية السورية في ظل السلطة الجديدة، فضلاً عن احتلالها أراضي الجنوب السوري وصولاً إلى تخوم العاصمة السورية. كل ذلك جعل الحزب يستشعر خطراً إسرائيلياً يتهدّد المنطقة، وجد في الغارة الإسرائيلية على قطر أحد مظاهره. ولذلك إندفع بتشجيع إيراني في اتجاه الرياض تحت عنوان أن يترك الجميع خلافاتهم جانباً ويتّحدوا في مواجهة الخطر الإسرائيلي الداهم.

 

وفي هذا السياق، ثمة من يعتقد انّ التحرّك الإيراني الناشط في اتجاه المملكة العربية السعودية يهدف إلى تعزيز التعاون بين الجانبين كقوتين إقليميتين كبيرتين، وتأطيره إذا أمكن في إطار جبهة إقليمية اوسع لمواجهة الخطر الإسرائيلي. وقد لمح أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني إلى ذلك خلال زيارته الاخيرة للبنان. علماً انّه كان لافتاً اخيراً الاتفاق السعودي ـ الباكستاني، الذي يرى الإيرانيون وحلفاؤهم أنّ من شأنه أن يصلّب الموقف الإقليمي في مواجهة الخطر الإسرائيلي، وليس كما صوره البعض على أنّه اتفاق في مواجهة إيران. إذ انّ من يعرف عمق العلاقة التي تربط بين طهران وإسلام أباد، يتأكّد من ذلك. والتطور المضطرد الذي تشهده الترجمة العملية المتواصلة للاتفاق السعودي ـ الإيراني يدفع البعض إلى القول، إنّ هذه القوى الإقليمية الكبرى الثلاث ستشكّل عمقاً استراتيجباً لأي تحالف إقليمي في مواجهة الخطر الإسرائيلي.

وتنتهي الأوساط السياسية ايّاها بالعودة إلى التوقف عند الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة، والتي بدأ عدّادها يعمل اليوم، لتؤكّد انّها ستكون حاسمة.. ولكن السؤال يبقى: ماذا يمكن لإسرائيل أن تفعل إن نجحت خطة ترامب بوقف حرب غزة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى