
كتبت: كفا عبد الصمد
غريب امرنا نحن اللبنانيون نعيش الحالة التي امامنا بكثير من المبالغة في الفعل ورد الفعل، ننسى كل شي ونركز فقط على اللحظة الآنية، نركن مشاكلنا (وما اكثرها) على الرف ونبدأ بتبني آراء وبناء قناعات لمواضيع آنية لن تقدم او تؤخر شيئا في حياتنا الاجتماعية، بل واكثر من ذلك نحولها الى مادة دسمة للخلاف لا الاختلاف، ونلتف مجددا حول حلبة الصراع، نقاتل من اجل فكرة لم ترتقي بعد الى مرتبة القضية، المهم ان نعرف كيف نحولها الى مادة صراع نتقن عزفه بنشاز مدوي على وسائل التواصل الاجتماعي.
تصدر عنوان فضل شاكر يسلم نفسه للجيش اللبناني عناوين الصحف ومقدمات النشرات الاخبارية، واصبح الحدث الجلل الوحيد الذي يحتاج اللبنانيون التحدث عنه، لابراز عصبياتهم الدفينة على مواقع التواصل، نسيوا اموالهم المنهوبة، وارادتهم المسلوبة، وآراءهم المقموعة، وبات شغلهم الشغل الاصطفاف في متاريس متناحرة بين مع وضد لابداء الرأي، المهم ان نشتم ونرفض ونعارض من يخالفنا الرأي، واكثر من ذلك ندافع دائما عما نؤمن به على انه الحقيقة المطلقة، مع العلم ان العلم والتطور يثبتان كل يوم انه لا يوجد شي مطلق على وجه البسيطة، النسبية القانون الوحيد الذي يحكمنا وقد يكون وحده الحقيقة المطلقة..
وغدا عندما يصدر الحكم على فضل شاكر ستنقسم الآراء من جديد، هذا يصفق لقضاء عادل وآخر يشتم فساد القضاة وهكذا دواليك، المهم انه سيبقى اللقمة السائغة في افواهنا طالما لم تأتي خبرية جديدة تقطف وهج ما حصل معه…
في الواقع، اعادني ما يحصل اليوم من سجالات افتراضية حول قضية شاكر الى لحظة اغتيال يحي السنوار وكيف يومها انقسمت الآراء بين من اعتبره عميل ومن اعتبره وطني، مع المفارقة ان سواء السنوار او شاطر كلاهما يحتملان احتمالات كثيرة في مناقشة ما قاما به، وتقديس اي منهما او شيطنته هو ضرب من ضروب الجنون، لان حسابات الحياة تفاجئنا دائما بنتائج لم نحسن قراءتها يوم صدورها لكننا فهمنا معانيها بعد حين…
لا شيء ثابت حتى الكرة الارضية خانتنا بعد الحديث عن امكانية لن تكون مسطحة وغير كروية، وبالتالي الحكم على اي موضوع من باب التعليق ليس الا لن يقدم اي اضافة، وكان ليكون ممكنا وبيقطع على الطريقة اللبنانية، اذا فعلا عالجناه من باب الانتقاد او المدح لكن ان نحوله الى مساحة واسعة للتخوين والشتم وتفريغ الحقد الطائفي والمذهبي الذي يتملكنا، هنا تكمن المعضلة وهنا تبدأ المشكلة التي لا تنتهي… فضل شاكر صوت قوي ومميز وفنان من العيار الثقيل لكنه في لحظة ما رفع سلاحه بوجه الجيش اللبناني، ويحي السنوار شخصية وطنية بارزة امضى سنوات في الاسر والعذاب لكنه ايضا اخطأ الحساب عندما ارتهن للخارج وقدم غزة على طبق من ذهب..
كلاهما لديهما من الايجابيات بقدر ما لديهما من السلبيات، لا يستحق الموضوع كل هذا الخلاف ولنترك محكمة الارض ومحكمة السماء تنطقان باحكامهما، ونبحث عن ما يجمعنا لا ما يفرقنا، ولنتعلم دائما من المثل القائل: انطور على الزمن بيفرجيك ببلاش…




