سلايدات

من غزّة إلى لبنان… السّلاح دعوة إلى الاحتلال

كتب خيرالله خيرالله في اساس ميديا:

كان مفيداً لو بقي يحيى السنوار، القائد الحمساويّ الذي يقف وراء “طوفان الأقصى”، حيّاً ليشهد كيف استطاع القيام بهذا الانقلاب الكبير على الصعيد الإقليميّ. إنّه انقلاب بطابع تاريخي انطلق من غزّة التي قُضي فيها على “حماس” بعدما جنت الحركة على نفسها وعلى القطاع وأهله.

 

مَن كان يتصوّر أنّ المنطقة ستتغيّر انطلاقاً من بقعة صغيرة اسمها غزّة؟ راحت غزّة ضحيّة لعبة السلاح الذي استخدمته الحركة من أجل الإمساك بالقطاع إمساكاً مطلقاً منذ الانقلاب الدمويّ على “فتح” منتصف عام 2007. متى يتعلّم “الحزب” من درس “حماس” ومن درس غزّة أنّ السلاح لا بدّ أن يرتدّ عليه، بل  ارتدّ عليه أصلاً. عمليّاً، ارتدّ السلاح على “الحزب” في اليوم الذي قرّر فيه المشاركة في خوض حرب غزّة على طريقته في الثامن من تشرين الأوّل 2023. لم يكن السلاح في غزّة أو في لبنان سوى دعوة إلى عودة الاحتلال. هذا ما حصل بالفعل.

كان مفيداً لو بقي يحيى السنوار، القائد الحمساويّ الذي يقف وراء “طوفان الأقصى”، حيّاً ليشهد كيف استطاع القيام بهذا الانقلاب الكبير على الصعيد الإقليميّ

ثمن المغامرة

ليس ما يؤكّد القضاء على “حماس” أكثر من اضطرارها إلى لعب ورقتها الأخيرة، ورقة الرهائن الإسرائيليّين الذين تحتفظ بهم لتأمين خروج قادتها من غزّة سالمين تمهيداً للانضمام إلى رفاقهم الذين يتمتّعون بمستوى معيشة مقبول في قطر وغير قطر.

يرفض “الحزب” في لبنان أخذ العلم بأنّ إسرائيل اغتالت حسن نصرالله ومعظم قياديّي “الحزب” في غضون أيّام قليلة في ضوء مغامرة فتح جبهة الجنوب. يرفض الاعتراف بأنّ سوريا لم تعُد تحت السيطرة الإيرانيّة مع فرار بشّار الأسد  إلى موسكو. عادت سوريا إلى أهلها، بغضّ النظر عن الرأي بالنظام الذي على رأسه أحمد الشرع. حصل ذلك بمجرّد خروج السلاح الإيرانيّ الذي وُضع في خدمة النظام الأقلّويّ. لن يعود لبنان إلى أهله من كلّ الطوائف والمذاهب، بمن في ذلك الشيعة، من دون تخلّي “الحزب” عن سلاحه الذي في أساس خراب البلد.

توجد كلمة ناقصة في كلّ الخطابات التي يلقيها الأمين العامّ لـ”الحزب” نعيم قاسم. الكلمة هي السلاح. يقول نعيم قاسم مثلاً إنّه “من دون إعمار يصعب أن تنطلق عجلة البلد نحو النهوض والاستقرار، والإعمار لمصلحة الدولة ولمصلحة اللبنانيّين والبلد”. كان عليه القول إنّه من دون نزع السلاح، لا إعادة إعمار ولا مَن يحزنون، بل دعوة لإسرائيل من أجل متابعة اعتداءاتها. لن يقبل العرب والمجتمع الغربيّ، على رأسه الولايات المتّحدة، توظيف دولار واحد في لبنان بوجود حزب مسلّح، هو كناية عن لواء في “الحرس الثوريّ” الإيرانيّ يرفض الربط بين نزع السلاح وإعادة الإعمار.

كيف السبيل إلى إعادة الإعمار التي يريد نعيم قاسم من الدولة اللبنانيّة القيام بها والتي “من شأنها أن تحدث ثورة اقتصاديّة كبيرة في لبنان وحركة اجتماعية ستخفّف من مستوى الفقر” ما دام يرفض التخلّي عن السلاح ويبحث باستمرار عن انتصارات على حكومة نوّاف سلام؟

ليس ما يؤكّد القضاء على “حماس” أكثر من اضطرارها إلى لعب ورقتها الأخيرة، ورقة الرهائن الإسرائيليّين الذين تحتفظ بهم لتأمين خروج قادتها من غزّة سالمين

لم يعُد سرّاً أن لا إعادة إعمار ولا انسحاب إسرائيليّاً من المواقع الخمسة المحتلّة من دون نزع للسلاح. يتمسّك نعيم قاسم بالسلاح وهو يدرك في قرارة نفسه، أنّ سلاح “الحزب” أتى بكارثة على لبنان ولا فعّاليّة له إلّا على الصعيد الداخلي في مواجهة حكومة نوّاف سلام الرجل الوطنيّ بامتياز.

بعد عامين على “طوفان الأقصى”، وجدت “حماس” أن لا مفرّ أمامها غير قبول خطّة الرئيس دونالد ترامب التي هي في واقع الحال خطّة منحازة لإسرائيل وُضعت بالاتّفاق معها. تعرف الحركة، قبل غيرها، أنّ أقصى ما تستطيع الوصول إليه يتمثّل في ضمان سلامة ما بقي من قادتها.

لعنة السّلاح

في غياب أيّ استعداد لدى “الحزب” للتعلّم من درس غزّة، سيبقى الاحتلال الإسرائيليّ وستبقى قرى لبنانيّة عدّة مدمّرة وستواصل إسرائيل اغتيال عناصر من “الحزب” يوميّاً. لا مكان لسلاح “الحزب” في حال كانت مطلوبةً مباشرةُ إعادة الإعمار وعدم التذرّع بالاحتلال الإسرائيلي من أجل الاحتفاظ بالسلاح. للمرّة الألف، ليس السلاح سوى مبرّر تستخدمه إسرائيل لبقاء الاحتلال!

عاجلاً أم آجلاً، ستكون غزّة شبه المدمّرة تحت نوع من الوصاية العربيّة والدوليّة. ما حلّ بالقطاع من ويلات نتيجة مباشرة لشبق “حماس” إلى السلطة وإلى الاستثمار في السلاح الذي كان معظمه يأتي عبر شبكات تهريب وأنفاق كانت تعرف إسرائيل بوجودها.

خسر “الحزب” في لبنان حربه مع إسرائيل، وهي حرب جرّته إليها “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. تبيّن أنّ قواعد اللعبة التي كان معمولاً بها قبل “طوفان الأقصى” وقبل “حرب إسناد غزّة”، لم تعُد قائمة. ليس طبيعيّاً أن يدفع لبنان ثمن حرب اندلعت على أرضه لأسباب إيرانيّة ليس إلّا.

المسألة في نهاية المطاف مسألة موازين قوى فرضت اتّفاق وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني الماضي، وهو اتّفاق في مصلحة إسرائيل وليس في مصلحة لبنان. هذا الاتّفاق لا يسمح بممارسة لعبة التذاكي التي يمارسها “الحزب” حاليّاً، ومن خلفه إيران، من أجل تبرير الاحتفاظ بالسلاح. قبل “الحزب”، مارست “حماس” لعبة التذاكي التي أدّت في الواقع إلى تدمير غزّة وتهجير مزيد من أهلها… وصولاً إلى قبول خطّة ترامب. هل يتعلّم “الحزب” القليل من تجربة الحركة في غزّة ومن حرب غيّرت المنطقة كلّها. يشمل ذلك في طبيعة الحال وقف التذاكي ووقف الرهان على التجاذبات بين رئيس الجمهوريّة جوزف عون ورئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام.

من غزّة، إلى لبنان، يتبيّن كلّ يوم أنّ السلاح لعنة وليس نعمة. كان لعنة على غزّة وكان ولا يزال لعنة على لبنان… والسبب الرئيس لعدم إعادة الإعمار واستمرار الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى