
كتب فادي عبود في الجمهورية:
ننتظر في كل مرّة أن يستفيق المسؤولون، فيبدأون بتنفيذ خطوات جذرية نحو الحلول والإصلاح الحقيقي، وننتظر ليستفيق الرأي العام ويتّحِد للمطالبة الجادة بحقوقه المسلوبة والمنهوبة، وننتظر أن تُصبح الشفافية الهَمّ الرئيسي الذي يسعى الجميع إلى تطبيقه. كنّا تأمّلنا أنّنا تعلّمنا من حرب أهلية واقتتال داخلي، وفضيحة مالية غير مسبوقة، انفجار مرفأ بيروت، والحرب الإسرائيلية وغيرها.
لكن نَنظُر حولنا، فلا نرى إلّا «قِلّة العقل تُصارِع قِلّة العقل»، نغوص في أتفه المشاكل، ونتقاتل على أتفه الأسباب، صورةٌ على صخرة الروشة كانت كفيلة بجرّ البلد إلى الخراب، نتناكف على منصب من هنا ومن هناك فيما البلد مُفلِس، نرفض التوحّد على مطالب اقتصادية محقّة، ننتظر أن يمنّ علينا الخارج بقروضٍ ونتوسّله، من دون أن نُفكِّر بإمكانيات البلد الحقيقية القادرة على أن تقوده نحو الإزدهار.
ألا يبدو واضحاً أنّهم يُلهوننا بالتفاهات، لكَيْ لا نلتفت إلى ما يُطبَخ في الخفاء؟ وكأنّ الهدف أن نبقى دائماً مشغولين بما لا يُغيّر شيئاً، لكَيْ لا نسأل عمّا يُغيِّر كلّ شيء.
والأسوأ أنّه يتمّ تدجيننا لنقبل بأنّ جريمة سرقة مئات آلاف الودائع والتسبُّب بتعتير الآلاف والآلاف، هو شيء طبيعي لا يستحق الاستنفار. وما يُدهش أنّه تتحرّك الجهات لمطالبة الدولة السورية بمعلومات عن الجرائم التي حصلت خلال حُكم النظام السوري السابق، وهذا موضوع مقبول ومفهوم.
أمّا بالنسبة إلى المواضيع الإقتصادية، فالظاهر أنّهم لم يفتحوا حتى الآن موضوع رسوم الترانزيت المرتفعة خلافاً لاتفاقية التجارة الحرة العربية، لكن لم يتجرّأ أحد للمطالبة بفتح حسابات المصارف لنعرف حقيقة الجريمة الكبرى التي وقعت في 2019، وما زالت نتائجها تطال كافة اللبنانيِّين.
ألم نقتنع أنّ الثقة معدومة اليوم بلبنان وبقطاعه المصرفي، وأنّه غير قادر على جذب الاستثمارات والودائع الجديدة، وأنّه مهما تمّت محاولة تجميل الصورة، إلّا أنّ الثقة لن تُستعاد إذا لم تتمّ إعادة الودائع حالاً.
ارحموا هذا البلد وافتحوا حسابات وتحويلات المصارف للقيام بتدقيق جدّي، مع مقارنة بأرقام المركزي، ليتمّ تحديد المسؤوليات، والبدء بإعادة الودائع.
توحّدوا حول هذا المطلب لنُنقِذ البلد وسمعته التي تتدهور يوماً بعد يوم، فيما بعض البلدان العربية تستقطب الاستثمارات والمشاريع والودائع (عسى أن نتعلّم منها).
واجلسوا سوياً، وافهموا هواجس بعضكم البعض، من دون كَيدِية سياسية وتشفٍّ وانتقام. فالمطلوب التوحّد لإخراج لبنان من انهياره. وإذا كان المطلوب تسليم السلاح في هذه المرحلة لتخفيف الضغط المتزايد على لبنان، فاتفقوا على ذلك، وبعدها اجلسوا سوياً لدراسة استراتيجية تحمي البلد من المخاطر المتربّصة به.
لم يَعُد يتحمّل البلد المزيد من قِلّة العقل والإهتمام بقضايا تافهة. لبنان يحتاج إلى اتفاق وطني واضح على الأولويات الحقيقية: فتح حسابات المصارف، محاسبة الفاسدين، فتح مصارف جديدة، وتسليم السلاح للدولة. فقط حينها يمكن أن يتحوّل خطاب السياسة من مزايدات إلى إدارة فعّالة للوطن، ويبدأ المواطنون في استعادة ثقتهم بالدولة التي طال انتظارها.