
ما ينطبق على لبنان الذي لعلّه كان أكثر البلدان العربية انشداداً إلى الحدث التاريخيّ الكبير الذي تدور فصوله المتعاقبة لإعلان النهاية التي صارت حتمية لحرب غزة، بعد سنتين تماماً من أعتى حرب عرفها الصراع العربي- الإسرائيلي في تاريخه، أن لبنان بعد غزة في موقع “أنتم السابقون ونحن اللاحقون”. ذلك أن كل المؤشرات الميدانية والديبلوماسية والواقعية تبدو أشبه برسائل حاسمة في اتجاه لبنان حيال جعله يتحفّز بحذر شديد لملاقاة حدث نهاية حرب غزة، بحسابات واستعدادات مختلفة تماماً عن كل تهاون ومناورة وتقليل من الحجم التاريخي الجدي للحدث الجاري في غزة وظروفه الفلسطينية والإسرائيلية في المقام الأول، ومن ثم تالياً الدولية والإقليمية والعربية، بحيث تبدو منطقة الشرق الأوسط برمتها على مشارف مصير انقلابي شامل غير مسبوق لن يقوى أي طرف في المنطقة على مواجهته. تبعاً لذلك، تجمع المعطيات التي تتداولها أوساط معنية برصد الموقف في لبنان إزاء الحدث الغزاوي على أن أسابيع قليلة وربما أقل ستكون كافية لرسم الخط البياني الذي يتوجب على “حزب الله” بالتحديد قراءة معالمه بدقة وفي منتهى التحسّب لعدم المضي في أشدّ أخطائه جسامة هذه المرة، إذا مضى في سياسات المعاندة والإنكار عبر رفض تسليم سلاحه طوعاً للجيش اللبناني والتراجع عن خوض حملاته العبثية ضد الحكومة. فما يجري في غزة ولا سيما على صعيد الخطة الأميركية الآيلة إلى نزع سلاح “حماس” يشكّل الرسالة الأكثر دلالة على مسار الأمور الذي يسلك طريقه، والذي يجعل لبنان البلد المعني المباشر بعد غزة بمسالة حصرية السلاح في يد الدولة.
ثم إن تاثيرات هذا الحدث لا تقف عند حدود ملف السلاح، بل تطاول إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية مع سوريا، وهو ما يُكسب توقيت الزيارة التي سيقوم بها اليوم وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني لبيروت على رأس وفد أهمية كبيرة، إذ سيبحث خلالها العلاقات اللبنانية- السورية والملفات العالقة بين البلدين مع كل من رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ووزير الخارجية يوسف رجي. ونقل “تلفزيون سوريا” عن مصدر مطلع أن ترسيم الحدود مع لبنان وقضية السجناء السوريين في سجن رومية سيتصدران جدول زيارة وزير الخارجية السوري لبيروت. ويشار إلى أن هذه الزيارة هي الأولى إلى لبنان منذ سقوط نظام بشار الأسد وبدء الحكم الانتقالي برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع .
وطغى حدث التوصل إلى اتفاق غزة أمس على مجمل التطورات الداخلية، فسارع رئيس الجمهورية جوزف عون إلى “الترحيب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحركة “حماس” في مرحلته الأولى، والذي يهدف إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة”. وأعرب عن “أمله في أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولى نحو وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق في غزة”، مؤكداً “ضرورة استمرار الجهود الدولية والإقليمية لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة، يضمن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وفق مبادرة السلام العربية التي أقرتها القمة العربية في بيروت العام 2002”. وتمنى الرئيس عون “أن تتجاوب إسرائيل مع الدعوات التي صدرت عن قادة الدول العربية والأجنبية من أجل وقف سياستها العدوانية في فلسطين ولبنان وسوريا لتوفير المناخات الإيجابية للعمل من أجل سلام عادل وشامل ودائم يحقق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط” .
كما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أوضح “أننا سنكون سعداء إذا ما توقفت حرب الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على مدى عامين في قطاع غزة”، مشدداً على “وجوب الحذر من إنقلاب إسرائيل على الاتفاق وهي التي عودتنا دائماً التفلت من كل الاتفاقات والعهود التي أبرمتها، وآخرها اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في تشرين الثاني الماضي، والذي التزم به لبنان كاملاً في منطقة جنوب الليطاني باعتراف من يتفق أو يعارض المقاومة و”حزب الله” بذلك”. وسأل: “ماذا بعد غزة؟ الجواب حتماً يجب أن يكون التوجه نحو لبنان لتطبيق الاتفاق الذي تم التوصل إليه وممارسة المجتمع الدولي وخاصة الدول التي رعت اتفاق وقف إطلاق النار المسؤولية بإلزام إسرائيل بما لم تلتزم به حتى الآن، الانسحاب من الأراضي التي لا تزال تحتلها، وقف العدوان وإطلاق سراح الأسرى”. ولكن بري لم يوفر الحكومة من انتقاداته، إذ سأل: “هل يعقل ألا تقول الحكومة اللبنانية لأبناء القرى الحدودية في عيتا الشعب وكفركلا وحولا ويارين ومروحين والضهيرة وميس الجبل وبليدا والخيام ويارون ومارون الراس وكل قرى الشريط المدمرة، هؤلاء الذين عادوا لزراعة حقولهم وافترشوا منازلهم المدمرة، ألا تقول لهؤلاء “مرحبا”؟ للأسف وكأن الجنوب ليس من لبنان! المطلوب من الحكومة بكل وزاراتها أن تكون حاضرة أقله بالحد الأدنى”.
وفي التحركات الديبلوماسية، استكمل وفد الاتحاد الأوروبي برئاسة شارل فرايز جولته على المسؤولين، فالتقى رئيس الحكومة نواف سلام وجرى خلال اللقاء استعراض الدعم الذي قدّمه الإتحاد الأوروبي للجيش اللبناني وأهمية استمراره، بالإضافة إلى ضرورة دعم قوى الأمن الداخلي. كما تمّت مناقشة خطوات الحكومة لبسط سلطة الدولة، وأولويات الحكومة الأمنية والعسكرية التي يمكن للاتحاد الأوروبي أن يسهم في دعمها. وشدّد الوفد على أهمية مضي الحكومة في المسار الإصلاحي الذي انتهجته، والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. كما بحث الوفد مع وزير الخارجية يوسف رجي تعزيز قدرات الجيش اللبناني لتمكينه من أداء المهام المطلوبة منه في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 واستكمال انتشاره في الجنوب وتنفيذ خطة حصر السلاح بيد الدولة، بالإضافة إلى حفظ الأمن والاستقرار على الأراضي اللبنانية كافة.
وسط هذه الأجواء برز تطور أمني في معلومات نشرت أمس عن نجاح الأمن العام اللبناني في إحباط مخطط إرهابي إسرائيلي واسع النطاق، كان يستهدف تنفيذ تفجيرات متزامنة خلال إحياء ذكرى الحرب عند مرقد السيد حسن نصرالله وفي المدينة الرياضية في بيروت ضد المشاركين في المناسبة. وتحدثت المعلومات عن تنفيذ العملية بسرية تامة بإشراف مباشر من مديرية الأمن العام، حفاظاً على سرّية التحقيقات التي لا تزال مستمرة لكشف الارتباطات الخارجية للمجموعة.
أما جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت عصر أمس في السرايا برئاسة الرئيس نواف سلام، فغلب على مناقشاتها وقراراتها ملف أزمة النفايات المتجددة، واعلن وزير الإعلام بول مرقص المقررات التي خرج بها المجلس، أبرزها ما يتعلّق بملف النفايات وبالإجراءات القانونية بعد الحرب الأخيرة على لبنان. وأعلن مرقص انه تقرّر تكليف مجلس الإنماء والإعمار إنشاء خليّة الطمر الجديدة في مطمر الجديدة والاستمرار باستقبال النفايات في مطمر الجديدة حتى نهاية العام 2026، وتكليف مجلس الإنماء والإعمار بإنشاء محطّة لتوليد الكهرباء من المطمر”. وأشار إلى أنه يعود لبلديّة الجديدة حقّ استثمار الطاقة من المشروعين المكلّفين وإعطاء ترخيص للبلديّات بإنشاء معامل لمعالجة النفايات. وقد علم أن وزراء “القوات اللبنانية” تحفظوا على قرار توسعة مطمر الجديدة على رغم تقليص زمن التوسعة الى نهاية السنة 2026.
وفي الشق القانوني، أعلن وزير الإعلام تكليف وزارة العدل دراسة الإجراءات القانونيّة التي يجب اتخاذها بعد الاعتداءات الإسرائيليّة على الصحافيّين خلال الحرب الماضية”.
“النهار”