
كتبت كلير شكر في اساس ميديا:
الأرجح أنّ عهد جوزف عون هو أكثر العهود الرئاسيّة سرعة في التعرّض للانتقادات. ذهب البعض إلى حدّ وصفه بالإصابة بالشيخوخة المبكرة. عادة ما ينهال مثلُ هذه الصفات في الثلث الأخير من الولاية، لكن أن تطلَق في السنة الأولى، فتلك مفارقة لم تحدث من قبل.
الأهمّ أنّ هذه الانتقادات المسوقة لا تقتصر على اللبنانيّين انطلاقاً من مقارباتهم المتباينة ونظرتهم النسبيّة إلى القضايا، حتّى تلك الوطنيّة منها، بل إنّ التصويب على رئيس الجمهورية يطال مكانته في المجتمع الدولي، وتحديداً لدى الأميركيّ والسعوديّ، وهو الذي بلغ القصر على متن الدعمين الأميركيّ والسعوديّ، وذلك بفعل ما يوصف بسياسة “تدوير الزوايا” في ملفّ السلاح. هل من إجابات على هذه الانتقادات؟
في الشهر الثامن من عمر العهد، توزّعت الملاحظات على أكثر من مستوى وصعيد، وأبرزها يتّصل بملفّ السلاح. إذ بدا رئيس الحكومة نوّاف سلام أكثر إقداماً ومبادرةً من رئيس الجمهوريّة، فيما أخذ على الأخير لجوءه إلى سياسة الأخذ والردّ التي يراها البعض نوعاً من المماطلة وشراء الوقت، بعدما جرى ربطها بما تسرّب عن “الحزب” أو قيل بالعلن (النائب حسن فضل الله) عن تعهّد قام به جوزف عون قبيل ساعات من انتخابه. وفق المنتقدين، أدّت هذه السياسة إلى تراجع الاهتمام الدوليّ بلبنان، بدليل جدول لقاءات رئيس الجمهوريّة في نيويورك على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة.
الاعتبار نفسه هو الذي عكّر صفو العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، على خلفيّة مسألة إنارة صخرة الروشة، كما يرى المنتقدون، بسبب التباين الفاقع بين الرجلين في كيفيّة التعاطي مع هذه المسألة.
الأرجح أنّ عهد جوزف عون هو أكثر العهود الرئاسيّة سرعة في التعرّض للانتقادات. ذهب البعض إلى حدّ وصفه بالإصابة بالشيخوخة المبكرة
تشويه صورة متعمَّد
وفق مصادر رسميّة، الواقع مغاير تماماً للصورة المشوّهة التي يتمّ تقديمها للرأي العامّ. تقول إنّ ملفّ حصريّة السلاح يسير بوتيرة هادئة، بعيدة عن الضوضاء والضجيج اللذين لا يفيدان المصلحة الوطنيّة. تسأل المصادر: هل أطلق “الحزب” أيّ رصاصة أو صاروخ منذ إعلان وقف إطلاق النار على الرغم من كلّ الانتهاكات التي تقوم بها إسرائيل؟
ترى المصادر أنّ التعويل يكون على النتائج وليس على الأسلوب، لأنّه ليس المطلوب تعريض الاستقرار الداخليّ لأيّ اهتزاز بفعل التوتّر الداخليّ، وإنّما العمل لاجتياز هذه المرحلة بأقلّ الأضرار الممكنة.
في هذا السياق تكشف المصادر عن تقدّم كبير في ملفّ حصريّة السلاح لجهة قيام السلطة اللبنانيّة بواجباتها:
حجب التمويل عن “الحزب”، الأمر الذي أدّى إلى تخفيض رواتب المحازبين، تراجع تمويل التسلّح وتراجع التمويل في الشأن اللوجستيّ. وذلك بفعل الإجراءات الحكوميّة المتّخذة على المعابر البرّية والبحريّة والجوّية.
حصريّة السلاح التي يتولّى الجيش تنفيذ خطّتها، لكن بعيداً عن الكاميرات، عملاً بتفاهم ضمنيّ مع “الحزب” يقضي بتسليم المخازن والمنشآت من دون استعراضات إعلاميّة، لا سيما أنّ “الميكانيزم” تطّلع بشكل موثّق، عبر الصور والفيديوهات، على كلّ ما يقوم به الجيش.
أقلّ من 200 صاروخ
هنا تقول المصادر الرسمية إنّ تصوير الأمر على أنّ السلطة اللبنانيّة متخاذلة وتتذاكى على المجتمع الدولي غير دقيق البتّة. تضيف أنّ الجيش ملتزم تنفيذ الخطّة، فيجري تسليم مخازن الأسلحة بلا ضوضاء جنوب وشمال الليطاني (تسلّم منذ أسبوع مخزناً للأسلحة في شمال النهر). وتفيد التقديرات الدوليّة أنّ المسألة باتت محصورة بالمسيّرات وبأقلّ من 200 صاروخ دقيق لا تزال تحت سيطرة “الحزب”.
في هذا الإطار تنفي المصادر الكلام عن تعهّدات متناقضة قطعها رئيس الجمهوريّة لأيّ جهة داخليّة أو خارجيّة قبيل انتخابه، بدليل مضامين خطاب القسم التي تعكس حقيقة موقفه من ملفّ حصريّة السلاح.
تؤكّد المصادر أنّ الرئيس لا يتوانى عن التأكيد أمام زوّاره أنّه ليس في وارد تكوين تيّار سياسيّ، وليس في وارد دعم أيّ نائب أو مرشّح
تقرّ المصادر بوجود تباين بين الرئاستين الأولى والثالثة إزاء مسألة إنارة صخرة الروشة. كان يفضّل رئيس الجمهورية ترك “الحزب” يتصرّف كأيّ مكوّن حزبيّ وسياسيّ في إحيائه ذكرى اغتيال السيّدين حسن نصرالله وهاشم صفيّ الدين، فيما لرئيس الحكومة وجهة نظر أخرى تنطلق من حرصه على احترام القانون والآليّات المرعيّة الإجراء. لكن لا خلاف في الجوهر.
ترى المصادر أنّ النتائج المحقّقة في ملفّ حصريّة السلاح تنسف الكلام عن تراجع الاهتمام الدوليّ، بدليل أنّ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس تترك نيويورك كلّ أسبوعين لتحطّ في بيروت لرئاسة اجتماع “الميكانيزم”. تشير إلى أنّ التصويب على اللقاءات التي عقدها رئيس الجمهوريّة في الأمم المتّحدة، من باب التقليل من أهمّيّتها لأنّ عون لم يلتقِ الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، في غير محلّه، لا سيما أنّ الرئيس الأميركيّ لم يجرِ أيّ لقاءات ثنائيّة في نيويورك.
تضيف أنّ زيارة الحبر الأعظم البابا لاون الرابع عشر للبنان نهاية شهر تشرين الثاني، في أوّل زيارة دولة له منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية، لها دلالاتها المهمّة، وتعكس اهتماماً دوليّاً، لا سيما أنّ خطاب رئيس الجمهوريّة أمام الأمم المتّحدة كان منسّقاً مع حاضرة الفاتيكان، كما تؤكّد المصادر، مشيرة إلى أنّ الزيارة ستشهد حدثاً دينيّاً – سياسيّاً سيُكشف عنه في حينه.
أمّا في الشأن الداخليّ فتؤكّد المصادر أنّ المؤشّرات الاقتصاديّة، سواء في القطاع السياحيّ أو في معدّلات النموّ الاقتصادي أو في التدفّقات الماليّة، تثبت أنّ مشروع إعادة تكوين الدولة وُضع على سكّته الصحيحة.
الحملة والانتخابات
من هنا تذهب المصادر إلى التأكيد أنّ اعتبارات الحملة الممنهحة على السلطة لها شقّان:
شقّ خارجي مرتبط بالضغط الذي يمارَس على السلطة للانضمام إلى قطار التفاوض مع إسرائيل.
شقّ داخليّ مرتبط بالانتخابات الداخليّة، وبالخشية التي تصيب القوى السياسيّة، وتحديداً المسيحيّة، من انخراط رئيس الجمهوريّة بالشأن الانتخابي من باب بناء زعامة شعبيّة أو تشكيل كتلة نيابيّة. من هنا العمل على تشويه صورة العهد على نحو استباقيّ.
إقرأ أيضاً: تصويت المغتربين: المهل القانونيّة تطيح التّعديلات!
تؤكّد المصادر أنّ الرئيس لا يتوانى عن التأكيد أمام زوّاره أنّه ليس في وارد تكوين تيّار سياسيّ، وليس في وارد دعم أيّ نائب أو مرشّح، ولا حتّى الانخراط في مشروع توريث سياسيّ.
أخيراً، تعود المصادر في مقاربتها السياسية إلى اتّفاق غزّة لوقف إطلاق النار، مستندة إلى تأييد “الحزب” للموقف “الذي اتّخذته “حماس” من خطّة ترامب” ولو أنّه عاد وحذّر من “أخطارها”، لتقول إنّ الأساس هو قبول “الحزب” بمبدأ تسليم السلاح، وتنهي كلامها بالقول إنّ ملفّ السلاح يسير في منحاه الإيجابيّ من دون أن يُلزم لبنان نفسه بأيّ جدول زمنيّ.