سلايدات

“كاوبوي السلام” يفتتح الشرق الأوسط الجديد: كلّ شيء لإسرائيل!

كتب منير الربيع في المدن:

بثقة كبيرة ينظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نفسه. ربما يتملّكه شعور بتقديم نسخة محدّثة عن الكاوبوي، بما يتجاوز تصوير الشجاعة أو الثقة إو الإقدام، أو حتى المغامرة للانتقال إلى مرحلة الفتوحات. فترامب لا يتوانى عن الحديث حول فتح عصر جديد في منطقة الشرق الأوسط، ليبدو وكأنه فاتح “العصر الإسرائيلي ومكرّسه”. وهو ما يتجلى في كلامه من على منبر الكنيست. تحدث بوضوح عن حجم الدعم الأميركي الذي جرى تقديمه إلى الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه، وجه التحية إلى الجنود الأميركيين، الذين لولاهم لما تحقق ما يصفه بالانتصارات الإسرائيلية. إنه فجر الشرق الأوسط الذي يريد ترامب أن يشقّه بعصاه، يتلاءم تماماً مع رؤية إسرائيل إلى المنطقة ومصلحتها. في الكنيست شرح وفصّل العناوين العريضة لمضمون خطته التي ذهب إلى شرم الشيخ واجتمع برؤساء دول عربية، إسلامية وأوروبية لدفعهم إلى التوقيع عليها. 

دمج المنطقة ضمن الرؤية الإسرائيلية

رؤيته التي سعى إلى فرضها في قطاع غزة على إسرائيل وحركة حماس وكل دول الجوار، يريد لها أن تتعمم على دول المنطقة، وأهمها سوريا ولبنان، فهو تحدث بوضوح عن توسيع مسار الاتفاقات الإبراهيمية أو مسارات السلام كي تضمن إسرائيل عيشها بسلام إلى جانب جوارها. وفي ذلك استعادة لطروحاته السابقة أو طروحات غيره من الإدارات الأميركية حول دمج إسرائيل في المنطقة. لكن الفارق، بعد الحرب الواسعة التي شنتها تل أبيب في السنتين الماضيتين، هو أن المسعى أصبح دمج المنطقة ضمن رؤية إسرائيل ومصلحتها. ولذلك وجه ترامب رسائله العلنية، والتي سبقتها رسائل أخرى غير علنية، إلى كل الدول المعنية، وعلى رأسها إيران التي قال إن فرصتها قائمة للوصول إلى اتفاق. وما يقصده حتماً يرتبط بإبرام اتفاق بناء على الشروط التي تفرضها واشنطن، من خلال دفع طهران إلى التخلي عن تخصيب اليورانيوم نهائياً، ووقف برنامج صناعة الصواريخ البالستية وتطويرها، ووقف دعمها للحلفاء في المنطقة. 

مصالح التقسيم و”التصغير” لسوريا

مع سوريا، سيضغط ترامب لتجديد التفاوض بينها وبين إسرائيل، إذ إن المسار تعثر في الفترة الماضية لأسباب عديدة، أبرزها رفض الرئيس السوري أحمد الشرع لقاء نتنياهو في ظل الحرب على غزة، وبسبب الشروط الإسرائيلية القاسية، ومنها استمرار سيطرة إسرائيل على نقاط استراتيجية داخل الأراضي السورية، والإصرار على فتح ممر أمني أو انساني في اتجاه السويداء، مع ما يعنيه ذلك من خسارة سوريا لسيادتها على مساحات أساسية من جغرافيتها، ويفسح في المجال أمام وصل هذا الخط من الجنوب السوري بشمال شرق البلاد. لكن الشروط الإسرائيلية تجاه سوريا واضحة وهي خلق منطقة عازلة في الجنوب وخالية من السلاح، إضافة إلى دفع دمشق للقبول بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، مع الإشارة إلى أن نتنياهو وجه شكراً لترامب على اعترافه بهذه السيادة. في المعنى الاستراتيجي ليس من مصلحة إسرائيل أن تبقى سوريا موحدة بهذه المساحة الجيوستراتيجية، لا بل إن المصلحة الإسرائيلية تتجلى في تقسيم سوريا أو تصغيرها من خلال خلق كيانات ذاتية أو موازية، أو جعلها في حالة شرذمة دائمة. 

المسار الجديد لا يدور إلا حول إسرائيل

لبنان كذلك، يجد نفسه معنياً بشكل مباشر بهذه الرؤية الأميركية، لا سيما أن ترامب تقصّد تمرير دعوته المباشرة للبنانيين للدخول في مسار السلام، علماً أن رسائل غير علنية وغير رسمية كان قد تلقاها المسؤولون اللبنانيون حول ضرورة الذهاب نحو تفاوض مباشر مع إسرائيل ولو على المستوى السياسي، وهذا الضغط سيتزايد في المرحلة المقبلة، وقد يبلغ حدود التصعيد العسكري لدفع لبنان إلى الاقتناع بما هو مفروض عليه. ذهب ترامب أبعد من ذلك عندما تحدث عن حيفا وبيروت، في معرض حديثه عن الروابط التجارية التي يريد إنشاءها بين إسرائيل وسوريا، وبينها وبين الدول الأخرى في المنطقة، وكأنه يشير ضمنياً إلى أن المسار الجديد في المنطقة لا بد أن يدور أمنياً وسياسياً واقتصادياً حول إسرائيل، مع تركيز الاهتمام على الجوانب الاقتصادية للتغاضي عن الصراعات السياسية أو الايديولوجية، وهو ما يتطابق تماماً مع رؤية مبعوثَيه إلى المنطقة ستيف ويتكوف وتوم باراك. 

مفاوضات في قلب النار

يسعى ترامب إذن إلى فرض مساره للسلام على المنطقة، وهو ما طرحه في قمة شرم الشيخ، علماً أن الدول العربية والإسلامية والأوروبية شددت على أهمية مبادرة السلام العربية أو حلّ الدولتين الذي يرفضه نتنياهو بالكامل. يريد للبنان وسوريا أن يكونا مشمولين بهذا المسار إلى جانب الدول الأخرى. لكن سوريا دخلت في طريق التفاوض المباشر، وأما لبنان فلا يزال يتمنّع، علماً أن الضغوط عليه تتزايد، وهي التي دفعت رئيس الجمهورية جوزاف عون إلى استحضار مسألة التفاوض والعودة بالذاكرة إلى التفاوض حول ترسيم الحدود البحرية. لكن ما لا يريده لبنان هو الاتجاه إلى التفاوض تحت النار والاحتلال، فيما إسرائيل تصر على عقد المفاوضات تحت قوة النار وقبل انسحابها من الأراضي التي تحتلها. وهي تواصل عملياتها وتهدّد بتصعيدها إذا لم يستجب لبنان لشروطها. 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى