
كتب حسن فحص في اساس ميديا:
انتهت حرب غزّة، فهل تبدأ حرب إيران؟ تتّجه الأنظار نحو طهران حيث تُقرع طبول الحرب ويستعدّ الجميع لها. الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألمح في آخر إطلالاته إلى ما يشبه التسوية مع طهران. هل هو العرض الأميركيّ الأخير أم البيان الأوّل لمعركة لا مفرّ منها؟
ما إن أعلن الرئيس ترامب خطّته لغزّة حتّى خرجت مصادر عسكريّة في حكومة تل أبيب لتعلن توقيف شحنة أسلحة إيرانيّة معدّة للتهريب إلى الضفّة الغربيّة تضمّ قاذفات صواريخ وأسلحة هجوميّة.
شكّل هذا التسريب الإسرائيليّ وتوقيته رسالةً إلى الإدارة الأميركيّة ورئيسها بأنّ من المبكر الحديث عن إمكان التقارب بين واشنطن وطهران، تذكيراً بأنّ النظام الحاكم في إيران لم يتخلَّ عن سياساته المعادية والعدائيّة تجاه إسرائيل، وأنّه ما يزال يقتنص الفرص لاستهدافها وزعزعة أمنها.
لماذا امتعض نتنياهو؟
لم يكن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مسروراً بأن يترافق الاتّفاق الذي فُرض عليه من الإدارة الأميركيّة في غزّة، مع ترحيب من ترامب بالدور الإيجابيّ والمساعد لإيران في التوصّل إلى هذا الاتّفاق، ويرى أنّ من المبكر توجيه شكر وتقدير لطهران على دعمها لجهود إنهاء هذه الحرب، وأنّ بإمكانها أن تكون جزءاً من المسار العامّ للسلام.
أكّد نتنياهو أنّ المهمّة التي بدأها في الحروب على الجبهات السبع التي خاضها على مدى عامين قد حقّقت كامل أهدافها، وأنّ استمرار “الحزب” في لبنان بامتلاك ترسانته الصاروخيّة والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى قدرة إيران على إعادة ترميم أنشطتها النوويّة خلال أشهر، واحتفاظها بمخزون كبير من اليورانيوم المخصّب بدرجات عالية (60%)، تعني أنّ هذه الحروب لم تنتهِ ولم تحقّق هدفها في جلب الأمن لإسرائيل وإبعاد الخطر عنها. ولا بدّ من استكمال هذه المهمّة من خلال الإعداد لضربة جديدة حاسمة تنهي “الحزب” وتقطع رأس الأفعى في طهران.
تراقب طهران بدقّة السيناريوهات التي يرسمها الموقف الإسرائيلي، ولم تُسقط من حساباتها إمكان العودة إلى دائرة العنف من جديد
يكرّر نتنياهو تجربة سلفه أرييل شارون مع أزمة باخرة “كارين إيه” التي تمّ إيقافها في البحر الأحمر عام 2002 وكانت محمّلة بنحو 50 طنّاً من الأسلحة والصواريخ الإيرانيّة لإيصالها إلى قطاع غزّة أيّام الرئيس ياسر عرفات. استطاع حينها شارون أن يوقف مسار التقارب الأميركي- الإيرانيّ ويدفع الرئيس الأميركي حينها جورج دبليو بوش إلى وضع إيران ضمن دول محور الشرّ. كان هذا المسار التقاربيّ قد بدأ خلال مرحلة الإعداد للهجوم على أفغانستان والتفاهمات التي تمّت بين الطرفين بعد احتلالها في مؤتمرَي بون وطوكيو عن مستقبل أفغانستان.
ضرب مسار التّفاوض
يسعى نتنياهو إلى ضرب أيّ مسار للتفاوض أو التفاهم المحتمل بين طهران وواشنطن، عبر الضغط على الإدارة الأميركيّة لإقناعها بأنّ الضفّة الغربية ما تزال تشكّل خطراً على أمن واستقرار إسرائيل، وقد تتحوّل إلى غزّة ثانية. وبالتالي لا بد لترامب من إعادة النظر في موقفه الرافض أخيراً لضمّ الضفّة من جهة، وأن يعيد وضع إيران على رأس التهديدات الاستراتيجيّة لإسرائيل والمصالح الأميركية من جهة أخرى. ويقع التخلّص من هذا التهديد في الخيار بين أمرين:
1- عمليّة عسكريّة لتدمير كامل قدرات إيران العسكرية والنووية بحيث تكون غير قادرة على إعادة ترميمها.
2- القضاء على النظام بشكل كامل حتّى لو أدّى ذلك إلى تفكيك إيران.
النظام الحاكم في إيران لم يتخلَّ عن سياساته المعادية والعدائيّة تجاه إسرائيل، وأنّه ما يزال يقتنص الفرص لاستهدافها وزعزعة أمنها
تراقب طهران بدقّة السيناريوهات التي يرسمها الموقف الإسرائيلي، ولم تُسقط من حساباتها إمكان العودة إلى دائرة العنف من جديد، وأنّها وتل أبيب ومعها واشنطن وكلّ عواصم القرار تدرك أنّ تداعيات أيّ حرب جديدة لن تقف عند حدودها الضيّقة، بل ستتحوّل إلى حرب أوسع قد تكون بمنزلة حرب شاملة على المستوى الإقليميّ. وبالتالي لا تُسقط من حساباتها أن تستطيع تل أبيب جرّ واشنطن إلى هذه الحرب، على الرغم من اعتقاد أوساط سياسيّة إيرانيّة بضرورة التفريق بين موقف واشنطن ومصالحها وموقف تل أبيب ومصالحها، وأنّه إذا كانت الأهداف الإسرائيليّة تتوافق مع الأهداف الأميركيّة، إلّا أنّها ليست متطابقة.
يعطي عدم التطابق بين الأهداف الأميركية والأهداف الإسرائيلية كلّاً من طهران وواشنطن هامشاً للمناورة، من أجل إزالة العقبات التي تعيق العودة إلى طاولة التفاوض، خاصّة أنّ الطرف الإيرانيّ يرى فرصة لتحقيق ذلك، وأنّ الولايات المتّحدة الأميركيّة لا تسعى إلى القضاء على النظام وتفكيك إيران، بل إضعاف دورها ونفوذها وإجبارها على تقديم تنازلات تفتح الطريق لتطبيق رؤية الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين لإنهاء هذا التوتّر من خلال الحصول من إيران على ضمانات لأمن إسرائيل مقابل أن يتمّ الاعتراف بحقّ إيران في امتلاك أنشطة تخصيب اليورانيوم وتطوير برنامجها السلميّ. ولاقت هذه المبادرة موقفاً إيجابيّاً من نظيره الأميركي ترامب.
كشف وزير الخارجيّة عبّاس عراقجي عن لقاءات تجري بين إيران وأميركا بعيداً عن الأضواء
على الرغم من الصمت الإيرانيّ إزاء هذه المواقف الصادرة عن رئيس البيت الأبيض، التي تؤسّس لتحوّل في رؤيته للتعامل مع إيران من سياسة أقسى الضغوطات إلى توجيه المديح والتقدير لدورها الإيجابيّ المساعد في اتّفاق السلام في غزّة، بدأت تتسرّب مؤشّرات من بين سطور المواقف التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيّين.
اذ كشف وزير الخارجيّة عبّاس عراقجي عن لقاءات تجري بين إيران وأميركا بعيداً عن الأضواء، وأكّد أنّ أيّ مفاوضات جديدة مع واشنطن، وإن كانت مباشرة، لا بدّ أن تبدأ من حيث انتهت إليه نتائج الجولة الخامسة من التفاوض غير المباشر، التي اعترف فيها المبعوث ستيف ويتكوف بحقّ إيران في امتلاك دورة تخصيب وبرنامج نوويّ سلميّ وإخراج البرنامج الصاروخيّ من جدول المفاوضات، في مقابل فتح كلّ المنشآت الإيرانيّة لعمليّات التفتيش ورقابة الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّية، والتأسيس لمسار من التعاون في الملفّات الإقليمية، سواء ملفّ لبنان و”الحزب” أو سوريا أو اليمن أو العراق، والتي لعبت دوراً مقنعاً لطهران لاعتماد خيار التعاون والتفاوض والتفاهم.
عتب عراقجي على الرئيس الأميركيّ لأنّه لم يقرأ تفاصيل التفاهم بينه وبين ويتكوف، وإلّا لكان الطرفان قد احتفلا حينها بتوقيع اتّفاق جديد يضمن مصالح الطرفين ولَما حصلت الحرب.