
كتب العميد الركن خالد حماده في اللواء:
عناوين كثيرة والتزامات متعددة في كل الإتجاهات أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الكنيست الإسرائيلي بما يتجاوز وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين. بدت عملية إطلاق الرهائن التي شكلت ورقة القوة بيد حركة حماس والعنوان الأبرز لانقسام الرأي العام الإسرائيلي وإستمرار الحرب على القطاع تفصيلاَ بسيطاً في سياق متغيرات تتزاحم لرسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.
يضاف اتّفاق شرم الشيخ الذي وقّع في 13 اكتوبر 2025 إلى ما سبقه من الإتفاقات العربية الإسرائيلية التي وقّعت برعاية أميركية والتي أضحت تشكل منظومة الإستقرار والسلام الإقليميين، في 17 سبتمبر/ أيلول 1978، جرى توقيع الإتّفاق «الإطاري للسلام»بين مصر وإسرائيل، بين الرئيس المصري محمد أنور السادات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، في منتجع كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية. وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1994 وقّع رئيسا الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين والأردني عبد السلام المجالي إتّفاقية «وادي عربة»للسلام بحضور الرئيس الإسرائيلي عيزر فايتسمان والملك حسين والرئيس الأمريكي بيل كلينتون.
لكن الوضع الجديد في غزة ليس وليد موقف فرضته وقائع الميدان بين حماس وإسرائيل، بل هو نتاج جملة من العناصر اجتمعت في الوعي الأميركي الجديد وليس في مقدّمتها انسداد الأفق أمام إسرائيل لتحقيق إنجاز سياسي بالقوة العسكرية الغاشمة. ينم الإتّفاق الذي تمّ توقيعه في شرم الشيخ عن انعطافات حادة في الثوابت والمفاهيم التي صاغت العلاقة الأميركية بقضايا المنطقة، والتي تتقدمها حاجة واشنطن إلى استعادة حلفائها في الشرق الأوسط وإعادة بناء جسور الثقة لشراكات إقتصادية حقيقية مع دول المنطقة. لقد أدى الصعود اللافت الذي حققته دول المنطقة على المستوى الإقتصادي إلى استقطاب أصدقاء واشنطن وخصومها على السواء وهو ما أطلق جرس إنذار في دوائر القرار في الإدارة الأميركية. كذلك فقد أدى النجاح الدبلوماسي لدول المنطقة لا سيما دول الخليج ومصر في التعامل مع الصراع الروسي الأوكراني والنأي عن الإشتباك في كلّ من اليمن والسودان وليبيا وغزة إلى تحوّل كل من المملكة العربية السعودية ومصر وقطر إلى ضرورة أميركية وأوروبية لسبر أغوار تلك الأزمات.
ما يميز اتّفاق «شرم الشيخ»عما سبقه من الإتّفاقات المعقودة بين إسرائيل والفلسطينيين ــــــــ التي طالما تميزت عن سواها بوجود شريك لواشنطن في المسؤولية ــــــــ هو إنتقال الشراكة مع الغرب وروسيا إلى الشرق الأوسط. فلقد وقّع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في 13 سبتمبر/أيلول 1993، الإتفاق الذي عُرف بـ«اتفاق أوسلو» في حديقة البيت الأبيض في واشنطن بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون ووزيريّ خارجية كل من روسيا الإتّحادية أندريه كوزيريف والولايات المتحدة الأميركية وارين كريستوفر. كذلك فقد وقع إتّفاق «أوسلو 2» أو ما عرف بـ «إتّفاقية طابا» الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والإتّحاد الأوروبي والنرويج ومصر.
يقدم إتّفاق شرم الشيخ نموذجاً مختلفاً للوزن الإقليمي والموقع الذي تحتله كل من مصر وقطر وتركيا التي شاركت الولايات المتحدة التوقيع على الإتّفاق، وهذا ما يجعل مسؤولية هؤلاء الشركاء لا تقتصر على تأمين الإستقرار في غزة وإسرائيل بل تتعداها إلى شراكة في صياغة معايير الاستقرار في الشرق الأوسط برمّته.
قد يبدو من الصعب تدبيج كل ما ورد في مواقف ترامب ضمن الإتّفاق الموقّع في شرم الشيخ، وهذا ما سيشكل عملاً شاقاً للشركاء في الإتّفاق الذين تقع عليهم صياغة التفاصيل التي تبدأ بالإنسحاب الإسرائيلي ولا تنتهي بتشكيل الإدارة البديلة ومهام القوة المشتركة وسواها من الإلتزامات الإنسانية. لكن عنوان الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط قد أصبح واضحاً «سلام بالشروط الأميركية أو استخدام القوة لتحقيق السلام».
وفي هذا الإطار حدد ترامب شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الجديد بالتأكيد أن «تعاون هذه الدول يعكس رغبة مشتركة في إنهاء العنف وبناء مستقبل من الأمن والاستقرار في المنطقة» كما كان حاسماً في توصيف طهران بـــ«قوى الفوضى التي ابتليت بها المنطقة هُزمت تماماً. من غزة إلى إيران» وفي مد «يد الصداقة والتعاون نحوها رغم أن «نظامها تسبب في الكثير من الموت في الشرق الأوسط».
أين يقف لبنان بعد اتّفاق شرم الشيخ ، ألا يستدعي الإتفاق إعادة تقييم الموقف وتقدير المخاطر المحدقة بلبنان؟ لقد كان ترامب واضحاً من الكنيست في إعلان الدعم للرئيس جوزاف عون في مهمة نزع سلاح حزب الله وبناء دولة مزدهرة ترامب، وفي هذا التوجه تقييم واضح لأداء الرئيس وإقرار أميركي بمسؤوليته في تعثر التنفيذ.
فهل يمضي الرئيس إلى ما ينقذ لبنان، أم يضاف لبنان إلى اتفاق شرم الشيخ؟