
كتب رئيس المجلس الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ:
كارتل شركات العولمة المتعددة الجنسيات ومتفرعاته “التنويرية” وغيرها المختلفة طرف أساسي في تقرير السياسات العالمية الغربية عموماً والأمريكية تحديداً. وفي هذا السياق تبرز العاصمة البريطانية لندن كحلقة الوصل. ففي زيارته التاريخية الأخيرة للمملكة المتحدة تلبية لدعوة من الملك تشارلز الثالث حيث رافقته زوجته ميلانيا اختلى الرئيس ترامب بممثلي شركات العولمة الكبرى بحضور الملك البريطاني حيث تكلم الاثنان عن العلاقات الودية بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. وكان هناك كلام لأكبر خمس شركات “عولمة تنويرية” في العالم. ومضمون الكلام كان ضرورة وقف الحرب على غزة وعدم ضم الضفة الغربية من جانب اليمين الديني اليهودي والاعتراف بالدولة الفلسطينية والحفاظ على اتفاق “سايكس-بيكو”. وجاء في مداخلة الشركات وفي توجيه الكلام مباشرة الى الرئيس ترامب أن اتفاق “سايكس-بيكو” أسس “بيتا لليهود” (إسرائيل) بناء على طلبهم وأنشأ الغرب لهم هذا “البيت”. أما السياسات التي يدعو إليها نتنياهو وفريقه المتطرف دينياً فهي التوسع جغرافياً باتجاه عمق الداخل العربي واحتلال “بيوت الآخرين”. وهذا أمر مخالف للرأي العام الدولي والغربي ولميثاق الأمم المتحدة ومستفز للمشاعر العربية والإسلامية. وبالفعل في اليوم التالي لزيارة الرئيس ترامب إلى لندن اعترفت بريطانيا بالدولة الفلسطينية وكرت سبحة الاعترافات الدولية بها. وكان هناك دور ديبلوماسي خفي بهذه الاعترافات لولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان على ما أسر به قبل شهرين السفير السعودي في لبنان وليد البخاري في اجتماع له مع اللقاء التشاوري للنخب في المحافظات لم يعلن عنه وقتها حيث اعتبر السفير أن الأولوية السعودية هي للسلام.
هناك تحولات كبرى في منطقة الشرق الأوسط وهذه التحولات هي على حساب القوى الدينية المتطرفة على اختلافها إسلامية ومسيحية ويهودية. ومن يريد أن يكون لاعباً في المنطقة عليه أن يكون جزءاً من هذه التحولات. وقد نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إجراء اتفاق غزة وفي حل سلمي لها وفي النتيجة ضمان تبادل الأسرى. وهذه نقطة أساسية جعلت من الإدارة الأميركية عنصراً مقرراً وحاسماً في إسرائيل وفي تغيير موازين القوى داخلها وفي إضعاف اليمين الديني اليهودي والمستوطنين. أيضاً في حماية “البيت اليهودي” أي إسرائيل الحالية. كما أصبح البيت الأبيض متمكناً من صياغة إدارة غزة فلسطينياً ومن إعادة إعمارها والاستثمار في النفط والغاز في بحرها. وأيضاً نجح الرئيس ترامب في صياغة “العالم الابراهيمي” وسياسات التطبيع فيه وفقاً للحسابات الأميركية لا وفقاً لتصور نتنياهو والحكومة الإسرائيلية في إدارة شؤون المنطقة. وكذلك نجح الرئيس ترامب في تحييد إيران وفي كسبها في أن تكون لاعباً إقليمياً في المنطقة في كنف المظلة الأميركية لا خارجها وبالتالي أصبح الباب الأميركي مفتوحاً بين واشنطن وطهران حول الملف النووي وسلاح حزب الله وحدود النفوذ الإيراني. إنما قد يسبق ذلك عمليات إسرائيلية عسكرية في الجنوب اللبناني والبقاع تغطية لمشروع الانكفاء الإسرائيلي والإيحاء بوحدة المجتمع الإسرائيلي المنقسم والذي سيزداد انقساماً.
وفي الختام تكرس دور أساسي في المنطقة للمملكة العربية السعودية وتحديدا لولي العهد فيها سمو الأمير محمد بن سلمان. وأما لبنان فلن يكون خارج التحولات بل سيكون بعد سنة المنصة الأميركية لإدارة شؤون المنطقة. ومن الممكن أن تكون واشنطن هي العامل الحاسم لإعادة أموال المودعين في سعي منها لكسب الرأي العام اللبناني بمختلف مكوناته وأيضاً لحل مشكلة المتقاعدين ومواجهة المافيات المتعددة والمحمية والأرجح أن لبنان سيكون له دور محوري في المصارف والإعلام وعالم الخدمات وسيستعيد حضوره… ولكن هناك أكلافاً على الطبقة السياسية قد تستدعي تغييرات ما مفاجئة.