سلايدات

بيروت – دمشق: تعاون ندّي لـ”تنقية السجون بعد القلوب”

كتب طوني كرم في نداء الوطن:

دخلت العلاقات اللبنانية – السورية مرحلة جديدة من الانفتاح العملي، عنوانها النديّة والتعاون المؤسساتي، بعيدًا من “التزلّف” والخطابات المتوترة  التي حكمت العهود السابقة. فبعد الزيارة اللافتة التي قام بها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير العدل مظهر الويس قبل أيام إلى بيروت، جاء وصول الوفد القضائي السوري برئاسة وزير العدل مظهر الويس ليؤكّد أن المسار بين البلدين يتجه نحو التعاون “الندّي” القانوني والتفاهم المتبادل، مدفوعًا برغبة واضحة في تبادل المعلومات المرتبطة بالاغتيالات السياسيّة، ومعالجة ملف السجناء والمطلوبين بروحٍ من المسؤولية و”تنقية السجون بعد القلوب”.

الاجتماع الذي جمع الوزير السوري بنظيره اللبناني عادل نصّار في بيروت، لم يكن لقاءً بروتوكوليًا، بل محطة تأسيسية لما وصفه الطرفان بتقدّمٍ كبير في صياغة “اتفاقية تبادل سجناء” بين البلدين، تُمهد لتسوية ملفاتٍ حسّاسة طال انتظارها. ووفق معلومات “نداء الوطن”، استهلّ الجانب اللبناني لقاءه التفاوضي مع الجانب السوري بالإشارة إلى أن التبدّلات السياسية التي شهدها البلدان أدّت إلى أن يضمّ الوفد اللبناني “واحدًا من بشري وآخر من بكفيا” ويعمدا إلى التباحث في حلّ المشاكل العالقة بين لبنان وسوريا، في إشارة واضحة إلى ارتكابات النظام السوري السابق و”القاتلة” بحقهم!

خلال الاجتماع، فند الطرفان مسودة “اتفاقية تبادل سجناء” بين البلدين، تضمّ 20 مادة، توقفا بإسهاب عند دقائق كلّ منها، والتي تضمنت استثناءً واضحًا لمرتكبي الجرائم الكبرى. ووفق معلومات “نداء الوطن”، فإن الجانب السوري سيعرض مسودة الاتفاقية على المسؤولين السوريين، قبل أن يعلن الطرفان شروعهما في اتخاذ الخطوات الكفيلة بوضعها حيّز التنفيذ.

ووفق مصادر قانونية، فإن حلّ مسألة المسجونين السوريين يتطلّب سلوك مسارٍ قانوني وتشريعي واضح، ولا يقتصر على الإجراءات التي قد يُقدم عليها وزيرا العدل في البلدين. إذ إنّ الجانب اللبناني، وبعد توقيع الوزيرين، سيعمد إلى إحالة الاتفاقية إلى الحكومة من أجل الموافقة عليها، وإحالتها بعدها إلى مجلس النواب عبر مشروع قانونٍ يجيز المصادقة على الاتفاقية، لتدخل حيّز التنفيذ وتنقي السجون.

وعقب اللقاءات، أشار وزير العدل عادل نصّار إلى أنّ الاجتماع “كان إيجابيًا وبنّاءً للغاية”، مشدّدًا على أنّ النقاشات “قطعت خطواتٍ كبيرة نحو إنهاء النص القانوني للاتفاقية”، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنّ “الاتفاقية لا تشمل المتورّطين بجرائم القتل أو الاغتصاب، سواء بحق المدنيين أو العسكريين اللبنانيين”. هذه الصيغة المتوازنة تُظهر أنّ الجانب اللبناني تمسّك بخطّ تعاونٍ كامل وواضح مع دمشق، لكن ضمن سقف القانون.

في المقابل، حرص وزير العدل مظهر الويس على إبراز الجانب التوافقي، قائلًا إنّ “وجهات النظر بين البلدين متقاربة، والأمور تسير في إطارها القانوني الصحيح”، مضيفًا أنّ بلاده “تولي أهمية كبرى لتطوير التعاون القضائي مع لبنان، على أساس مبادئ العدالة واحترام السيادة”. هذه اللغة الهادئة والمتزنة تعكس رغبة دمشق في إعادة بناء الثقة عبر القنوات المؤسساتية، بعد عهودٍ من المكابرة. كما كان لافتًا تأكيده التوجّه لتزويد لبنان بمعلوماتٍ عن الاغتيالات السياسية التي حصلت في لبنان، ما أخرج هذا البند من دائرة المطالب اللبنانية، وأدخله في صلب الرغبة السورية المستجدّة لطيّ صفحة الماضي الأليم وتنقيتها مع لبنان، بالتوازي مع توقف المتابعين عند سابقة التفاوض والتعاون الندّي غير المسبوق بين لبنان وسوريا.

مصادر قضائية واكبت الاجتماعات، وصفت الأجواء لـ”نداء الوطن” بأنها “أكثر إيجابيةً ممّا كان متوقعًا”، مشيرةً إلى أنّ “الطرفين أظهرا إرادة مشتركة لفتح صفحة جديدة، بعيدًا من رواسب الحقبة الماضية”. وفي هذا السياق، أكّد نصّار أنّ الوفد السوري قدّم “تعهداتٍ رسمية بمتابعة دقيقة للمطالب اللبنانية”، خصوصًا في ما يتعلّق بتوفير المعلومات حول الأعمال الأمنية والاغتيالات السياسية التي شهدها لبنان خلال فترة الوجود السوري، إضافةً إلى دعم لجنة متابعة ملفّ المخفيين قسرًا.
كما تمّ التطرّق إلى مسألة الفارّين من العدالة لبنانيين وسوريين، حيث أبدى الجانبان استعدادهما للتعاون “ضمن الأطر القانونية والدستورية”.

وفي موازاة اللقاءات السياسية، سُجّل توجّه الوفد السوري – بعد موافقة النيابة العامة التمييزية – إلى سجن رومية، ولقاؤه عددًا من السجناء السوريين، ناقلًا سعي البلدين لتحقيق العدالة وصون كرامة الموقوفين بما يضمن احترام سيادة الدولتين. وكان الوزير السوري قد لفت إلى أنّ بلاده تعمل على “تشكيل فرقٍ متخصّصة لمتابعة القضايا الإنسانية والقانونية، وكشف الحقائق وتحقيق العدالة”، فيما شدّد نصّار على أنّ الهدف هو “حلّ جذري بعيد عن أيّ استنسابية، يراعي المعايير القانونية والدولية”.

ما شهدته بيروت أمس، أكّد أنّ الملف القضائي فتح نافذة سياسية واسعة أمام البلدين. اللبنانيون متمسّكون بسيادتهم وحقوقهم، والسوريون يعلنون رغبتهم في العدالة وتنقية رواسب نظام الأسد. وبين هذا وذاك، تلوح في الأفق اتفاقية “تبادل سجناء” قريبة، تتطلب تشريع الطريق أمامها إلى ساحة النجمة، لا بل تسريعها لتشكّل منعطفًا في العلاقات الثنائية، تُعيدها إلى مسارٍ طبيعي من الاحترام والتعاون المتبادل.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى