
كتب جوزف الهاشم في الجمهورية:
قمّةُ شرم الشيخ للسلام، تعود بنا إلى حرب الإثني عشر يوماً بين إسرائيل وإيران، والتي بدَتْ – بعد القصف الأميركي للمفاعل النووي الإيراني – كأنَها تنتهي بسحرِ ساحر، وبأمرٍ من إله الحرب والسلم: دونالد ترامب.
لقد اعتبر الرئيس الأميركي يوم ذاك، أنّه كان يُمارس عمليّةَ تأديبٍ ضدّ إيران ولم يشنّ عليها حرباً، بل راح يعلن «أنّ إسرائيل وإيران سينعمان بمستقبل مليءٍ بالوعود العظيمة وسيشهدان حبّاً وسلاماً وازدهاراً…».
ولم تتعطّل لغة الوعود على لسان ترامب في قمة شرم الشيخ فقال، «لقد أنهينا حرب غزة وفي الشرق الأوسط سيكون سلام عظيم»، وشاء أنْ يغازل إيران «فمَدَّ لها يَد التعاون والصداقة» على أن تستبدل أذرعتَها في المنطقة بذراع ممدودة نحو إسرائيل، ثم راحَ يُنصّب نفسه شاهداً شرعياً على ما هو زواجٌ عرفيّ إسرائيلي – إيراني: زواجٌ عرفي، وسلامٌ عنفي.
والسلام الذي أعلنه ترامب هو أيضاً سلام عنيف مفروضٌ على الذين اغتصبوا منطقة الشرق الأوسط وجعلوها حبلى بالغرائز والشهوات ولا تلِدُ بطونها إلّا الحروب، فقال: «زمن الفوضى في الشرق الأوسط قد انتهى».
لقد كان في المنطقة ثلاثة مشاريع شرق أوسطية: مشروع إسرائيل الكبرى، مشروع القرن التركي، ومشروع إيران الثوري، هذه المشاريع أسقطها الكاوبوي الأميركي لمصلحة مشروع دونالد ترامب للسلام، واستوعب حوله مجموعة كبرى من الدول العربية والإسلامية، تسعى معه إلى تحقيق السلام، ويسعى بها إلى أحضان ابراهيم.
ولكن، لن يكون هناك سلام في المنطقة على مدى أجيال تلو أجيال إلّا بحلّ عادلٍ للقضية الفلسطينية وبدولةٍ مستقلة للفلسطينيّين، ومع اختلال موازين القوى العسكرية، واختلال موازين القوى العقلية العربية والفلسطينية، يضيعُ حقّ ولو كان وراءَهُ مُطالب.
لقد أدركت المملكة العربية السعودية بالأمس ما أثبتَتْهُ الوقائع اليوم، أنّ القضية الفلسطينية يتعذّر إنقاذها بالحرب، فكانت مبادرة خادم الحرمَين الشريفَين في قمّة بيروت 2002 للسلام، وكانت القمّة العربية في السعودية آذار 2006، لتؤَكّد «أنّ السلام في المنطقة هو الخيار الوحيد».
في مراجعة للمراحل الساعية إلى السلام تعود بنا الذاكرة إلى 29/11/1947 حين صدر قرار من الأمم المتحدة الرقم 181 قُسِمَتْ الأرض الفلسطينية بموجبه بين دولة يهودية ودولة عربية، بنسبة 55 في المئة من الأرض لمصلحة الدولة اليهودية، مقابل 45 في المئة للدولة الفلسطينية، وحين قبلت الوكالة اليهودية بهذا القرار رفضَتهُ اللجنة العربية الفلسطينية.
وبعد أربعين عاماً من الحروب وافقت منظمة التحرير على القرار 181، إلّا أنّ الحركة الفلسطينية العسكرية أسقطت هذه الموافقة مرّة أخرى.
وفي العام 1993 وقّع ياسر عرفات في واشنطن إتفاقية «أوسلو» التي تنصّ على إقامة حكم ذاتي فلسطيني على الضفة الغربية وقطاع غزّة، فسقط هذا الإتفاق على يَد الجناح الفلسطيني المتطرّف، وعلى يَد اليمين الإسرائيلي المتطرّف، وعلى يَد متطرّف إسرائيلي كان اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وانتهى الأمر بانشقاق دموي فلسطيني بين منظمة التحرير وحركة «حماس».
واليوم، ما هي حظوظ مبادرة السلام؟ هل تتكرّر المحاولات لإسقاطها على يَد متطرّف إسرائيلي أو متطرّف فلسطيني، أو أنّ في ذلك الزمان لم يكن هناك ترامب آخر يهدّد حركة «حماس» بأبواب جهنّم، ويُهوّل على نتنياهو بعصا موسى.
حتى ولو أقدم متطرّف إسرائيلي على اغتيال نتنياهو، فهذا أيضاً يُمهّد نحو السلام.