
منذ إعلان الإستقلال تغيّرت قوانين الانتخابات البرلمانية في لبنان بحسب تغيير الظروف الداخلية والإقليمية، ومعها كانت تتغيّر الدوائر. أول قانون انتخابي بعد الإستقلال كان عام 1943 على أساس الأكثري، وفي عام 1950 اعتُمِدت المحافظة دائرة انتخابية واعتُمِد الاقتراع الفردي والنظام الأكثري، لكنّ أكثر القوانين جدلاً كانت عام 1957 في عهد الرئيس كميل شمعون، الذي أعاد تقسيم الدوائر إلى 27 دائرة، على رغم من اعتراض العديد من القوى السياسية والأحزاب، ممّا أحدث توتّرات سياسية، وانتهى بأحداث عام 58 التي أسست لانقسام سياسي عامودي في البلاد.
في العام 1960، قُسِّمت الدوائر إلى 26 دائرة وفق النظام الأكثري، بعد تسوية سياسية بين الرئيس فؤاد شهاب والقوى السياسية.
وفي أول انتخابات بعد إقرار اتفاق الطائف عام 1992، اعتُمِد نظام الأكثري على أساس الدوائر الكبرى (المحافظات) وسط مقاطعة واسعة من الأحزاب المسيحية.
وفي العام 2005، وللمفارقة، إنّ قانون الانتخابات بقيَ على الدوائر الكبرى والنظام الأكثري، وكانت «القوات اللبنانية» على نفس اللوائح الانتخابية في بعض الدوائر مع «الثنائي الوطني» (حركة «أمل» – «حزب الله») وفي 2009 اعتمدت تسوية الدوحة قانون الأكثري والدوائر الوسطى.
وفي العام 2017، انتقل لبنان من النظام الإنتخابي الأكثري إلى النظام النسبي، مُقسِّماً الدوائر الانتخابية إلى 26 دائرة تحكمها الغلبة الطائفية.
الخروج من النظام الأكثري إلى النسبي يُعتبَر خطوة تأسيسية على رغم من التشوّهات التي اعترت القانون في تقسيم الدوائر، بدلاً من لبنان دائرة واحدة أو المحافظات الـ5 التي تؤمِّن المشاركة الوطنية الواسعة، وتُنتِج خطاباً نيابياً وطنياً وتُحقّق التمثيل الصحيح لنواب يُمثلون الأمة وليس الطائفة.
قبل إقرار قانون الإنتخابات على أساس النسبية عام 2017، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام نقابة الصحافة «إنّ أي قانون يجب أن يحظى بتوافق جميع الأطراف، وأنا لن أسير بأي قانون لا ترضى عنه أي طائفة من الطوائف، وإنّ عدم الاتفاق على القانون يُحدِث شرخاً في البلاد».
موقف الرئيس بري لم يأتِ من موقع الضعف، بل كان تعبيراً عن قناعة رجل الدولة الحريص على وحدة اللبنانيِّين قبل الحسابات الانتخابية ودوائرها.
واليوم يُحذّر رئيس المجلس من موقعه الوطني وواجبه الدستوري من أنّ الإصرار على تصويت المغتربين في ظل الاضطهاد السياسي الذي تمارسه بعض الدول على مكوّن لبناني، هو استهداف للوحدة اللبنانية وتعطيل لعدالة التمثيل والمساواة بين الناخبين والمرشحين، وهو خرق فاضح للدستور الذي أكّد على التساوي في الفُرَص بين جميع اللبنانيِّين. وإنّ أي كلام عن حُكم الأكثرية البرلمانية مقابل أقلية معارضة قبل إنجاز الإنتخابات التشريعية خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس شيوخ وقيام سلطة قضائية مستقلة وإعلام يساهم في صناعة رأي عام وطني، نكون أمام عملية إقصاء جديدة، يُخشى أن تأخذ البلاد إلى اقتتال دفع اللبنانيّون ثمنه آلاف الضحايا والمفقودين.
فالطموح إلى تسلّم السلطة هو في صلب العمل السياسي الديمقراطي للقوى السياسية، وانتقال السلطة سلمياً هو من ماهية الدول الديمقراطية ضمن الضوابط الدستورية، أمّا الإستقواء بالخارج وسياسة انتهاز الفُرَص لكسر التوازنات الداخلية، فتضع البلاد في مواجهة مخاطر وجودية، وتكشف نقص المناعة الوطنية أمام العصبيات الطائفية.




