سلايداتمقالات

السلام البابوي والتحذير الأممي.. أي مسار للبنان؟

كتبت نادين سلام في اللواء:
يستمرُّ التصعيد الإسرائيلي على جنوب لبنان، وقد طال للمرّة الأولى منذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الضاحيةَ الجنوبية لبيروت، في استهداف قال عنه المراقبون إنه رسالة واضحة مفادها أنّ الاعتداءات الإسرائيلية لن تتوقّف قبل أن تنحسر قدرات حزب الله العسكرية وتنعدم قدرته على تشكيل أي تهديد للأمن الإسرائيلي. وعلى خطٍّ موازٍ، تشهد الساحة اللبنانية حركةً دبلوماسيةً مكثّفةً؛ فبعض الزائرين ينصح ويحذّر، وبعضهم الآخر ينذر ويهدّد، لكن الجميع يجتمع على قرع طبول الحرب إذا لم يلتزم لبنان بما قطعه للمجتمع الدولي لجهة استعادة الدولة قرارَ السلم والحرب عبر حصر السلاح بالمؤسّسات الشرعية.

وفي ظلّ هذه الصورة القاتمة التي تُرخي بثقلها على الداخل اللبناني وتُنذر بجولة عنف جديدة قد تكون أكثر ضراوةً وتصميماً على منع تكرار تجربة حرب عام 2006، تبدو المخاوف كبيرة من أن تكون المواجهة المقبلة — إن وقعت — باهظة الأثمان على المستويين الرسمي والشعبي. فبعد تلك الحرب، استطاع حزب الله استعادة قوته العسكرية وتعزيز نفوذه في الحياة السياسية، الأمر الذي يجعل أيّ جولة مقبلة مرشّحة لتغيير توازنات داخلية وإقليمية على حدٍّ سواء.
ويستمرُّ التخبط الداخلي حول كيفية تفادي هذه النتائج الكارثية وردم الهوّة بين مؤيّدي سلاح الحزب والمؤمنين بحصرية الشرعية اللبنانية. وبين هذا الانقسام المتجذّر، تأتي زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان كبارقة أمل، تؤكّد أنّه مهما اشتدّت الأزمات على وطن الأرز، يبقى وجوده عنصراً أساسياً في المنطقة ورمزاً للتعايش والتعدّدية التي تُجسّد هبوط الرسالات السماوية على هذه الأرض المقدّسة. وحين تأتي الزيارة تحت شعار «طوبى لفاعلي السلام»، فهي تحمل في طيّاتها رسالة تتجاوز الحدود: العالم يدخل مرحلة سلام واتفاقات، وأيّ طرح آخر محكوم عليه بالسقوط، ولو بالقوّة.
أما الرسالة إلى الداخل اللبناني فهي أوضح: إنّ دعم الكنيسة الكاثوليكية للبنان الرمز، الذي حافظ فيه العيش المشترك على وجود الأقلية المسيحية في الشرق الأوسط لعقود، يشكّل بحدّ ذاته دعوة صريحة إلى حماية هذا التنوّع، وعدم السماح بالعبث به. فالضمانة الحقيقية لهذا الوجود كانت وستبقى القضاء على الفتن والتمسُّك بمبدأ التعايش بعيداً عن عقلية الغالب والمغلوب، القويّ والمستضعف. وقد أثبتت التجربة اللبنانية أنّ سياسة «لا غالب ولا مغلوب» هي الوحيدة القابلة للحياة، وما عداها لا يعني سوى الانهيار.
يقول جان جاك روسو في العقد الاجتماعي: «لا يمكن للإرادة العامة أن تهدف إلا إلى المصلحة العامة»، وهي دعوة صريحة لتغليب الصالح العام على المصالح الضيّقة، وللإيمان بأنّ استقرار المجتمع لا يتحقّق إلا بالتزام الجميع بما يخدم الوطن ككلّ.

يتطلّع اللبنانيون على اختلاف أطيافهم برجاءٍ وأمل للرسالة البابويّة وما تحمل من معانٍ للسلام، فيما يسود الترقُّب والحذر لما ستحمل أورتاغوس من رسائل مكتوبة بالحديد و النار!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى