سلايدات

إلى مستشار المرشد… عن الخبز والماء

كتب مصطفى فحص في  الشرق الاوسط:

ذهب مستشار المرشد الإيراني، الدكتور علي ولايتي، بعيداً في اختزال حياة اللبنانيين وتحديد أولوياتهم. استعار من الكتب المقدّسة ما يناسب أولوياته العقائدية لا أولوياتهم الحياتية؛ فبالنسبة له لم يعد الخبز والماء هما ما يحيا بهما اللبنانيون فقط، بل أصبحت لديهم أولوية أهم، هي السلاح، الذي رفعه إلى مرتبة أعلى من الخبز والماء، فبات على اللبنانيين أن يتعاملوا معه بصفته شرطاً من شروط الحياة الأساسية.

في مقاربة ولايتي، تُرسَم معايير جديدة للبنانيين تُحدّد خريطة عيشهم أو تعايشهم مع السلاح الذي أصبحت قيمته ثابتة، مساوية لقيمة الخبز والماء، وهو -بالنسبة له- يوفّر أيضاً العيش الكريم. فإذا كان الخبز والماء ضرورة مطلقة للإنسان ولحياة الفرد والجماعة والقبيلة والدولة، فقد أصبح السلاح كذلك، إذ لم تعُد ضرورته مشروطة فقط بوجود تهديد مباشر، ولم يعد وجوده محصوراً بالدولة. وكأنه يقول أو يوزّع المهام: على الدولة أن تُؤمّن ضروريات مواطنيها، وعلى جماعة معيّنة أن تؤمّن ضرورياتها العقائدية. لكنه، حتى في ذلك، يرفض المساواة في الضروريات، فشأن السلاح وحامليه أعلى من شأن الخبز والماء ومحتاجيه.

حين يرفع مستشار المرشد وجود سلاح «حزب الله» إلى هذه الأهمية المطلقة أو الوجودية بالنسبة للبنانيين، عادّاً أن أدوات القوّة أهم من أدوات الحياة، فإنه يرفع وظيفة السلاح إلى المستوى الوجودي. ولكن، في عمق قوله، يقدّم رؤية لمشروعه في لبنان، الذي يُحاول فرضه على اللبنانيين: لكم حاجاتكم البيولوجية، ولنا حاجاتنا السياسية. فيصبح السلاح هنا، أو ما تبقّى منه، أداةً أو حاجةً ضرورية للحفاظ على النفوذ. وعندما يتقدّم على الخبز والماء يُصبح الشرط الأول للعيش والبقاء. وإذا أدّى بقاؤه إلى قِلّة أو عَوَز، يُوضَع الجوع والعطش في خانة التضحيات، ويصبح الفقر نتيجة طبيعية. ومعه تتبدّل المعاني والمعايير، فيرتفع السلاح -أو حامله ومشروعه- فوق الدولة، ويُصبح المقاتل فوق المواطن. وهذا ما يُعيد إنتاج الوعي الجماعي لجماعة ما، وإقناعها بأن التضحية بالخبز والماء من أجل السلاح تصون أمنها وكرامتها. وكأنّ المستشار لم يصله ما قاله المُنظّر الاستراتيجي الألماني كلاوزفيتز: «إنّ الجيوش تزحف على بطونها». فكيف سيحارب الجائعون؟ وكيف ستصمد الجماعة وتبقى الدولة؟

في واحدة من أصعب اللحظات الحرجة في تاريخ لبنان؛ حيث تهديدات العدو الإسرائيلي بعمل عسكري يُصيب الديموغرافيا والجغرافيا، ولا يوفّر الدولة، ومع توافد المبعوثين والنصائح بتجنّب أتون حرب مدمّرة ستُكلّف لبنان عموماً، والجماعة الشيعية خصوصاً، أثماناً باهظة في الأرواح والأرزاق، يقدّم مستشار المرشد رؤية نظامه للبنان دولةً وشعباً. يحاول فرض قيم حياتية جديدة على اللبنانيين، رافعاً مشروعه في لبنان إلى مستوى الضرورة الوجودية، ومقدّماً إياه على حاجات المجتمع، فتصبح الدولة جبهة، ويصبح السلاح أداة للحكم.

يا حضرة المستشار، الذي تتقدّم أولوياته العقائدية على أولوياته الحياتية، هل تستطيع ترسانتكم العسكرية والاستراتيجية بكل صنوفها أن تحلّ أزمة المياه في العاصمة طهران؟ وما بددتموه من أموال من أجل إنتاج «الماء الثقيل» في الصناعات النووية -الذي لم يحمِكم حين اعتدى عليكم عدوّكم وعدوّنا- كان كافياً لتأمين «مياه الشرب» لكل إيران! اتقوا الله فينا وفي أنفسكم؛ فسلامة الأبدان شرط لسلامة الأوطان. والسلام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى