
كتبت كفا عبد الصمد:
عندما يقال عن لبنان انه ليس مجرد بلد او وطن عادي بل هو رسالة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، هو رسالة حب ورجاء وايمان، لا يأتي هذا التوصيف من العدم، نحن بلد التناقضات، والاختلافات وفي احيان كثيرة نحن بلد الخلافات، لكن يبقى في مكان ما هناك ما يجمعنا، صوت الهي او ربما ومضة تسقط علينا من السماء في لحظة عابرة لتقول للعالم اننا بلد يستحق الحياة بل ان الحياة لا تليق ببلد اكثر مما تليق بلبنان..
لبنان رغم كل تناقضاته وتقلباته وانقساماته فيه نفحة إلاهية ترفرف فوق سماءه تجعل منه ارض القداسة رغم الحروب، ومنبع التفاهم رغم الفوضى، ولحظة رجاء رغم الانكسار..
لبنان البلد الذي يعيش فيك قبل ان تعيش على ارضه، لا يشبه اي بلد آخر، بجنونه وايمانه واخفاقاته وحتى نجاحاته..
كان لاستقبال البابا وقع مختلف على كل من تسمر امام شاشات التلفاز يتابع الحدث، شيء من السحر حكم الاجواء اللبنانية في تلك الساعة، تنظيم ورقي وحسن استقبال غطت على اللحظات الاولى التي وطأت فيها اقدام قداسة البابا ارض هذا البلد الغريب..
انها سكيزوفرينيا تتجلى بابهى صورها، تحت زخات المطر رقصت فرقة هياكل بعلبك ترحيبا بالضيف الكريم عند مدخل القصر الجمهوري، وعلى وقع انغام فصل الشتاء نثر الارز وتعالت الصيحات ودخلت فرقة الخيالة برقص فرسانها، تنقل لحظة استثنائية لزيارة استثنائية لبلد يصارع الحياة من اجل البقاء، ويقف على حافية الانهيار ان لم يكن قد وصل الى القعر بعد، لكنه مازال قابلا للاحتفال بالحياة..
استقبال الحبر الاعظم في بيروت كان له نكهة بيروت التي لا تشبه غيرها، كان فريدا شكلا ومضمونا، الاشخاص الذين تجمعوا تحت المطر، وافترشوا الارصفة منتظرين تحية سلام من بابا السلام، الاطفال والشباب من ذوي الهمم الذين وقفوا وجها لوجه مع امل السلام ينشدون له حلم لبنان الذي لا يموت، جميعها صور تعكس حضارة ورقيا وتنبض حياة واملا بكثير من العفوية عن بلد يعيش على حافة البقاء.
نعلم جيدا ان الحلم سوف ينتهي فور صعود البابا على متن طائرته عائدا الى بلاده، لان العدو يتربص لنا ويعدنا يجولة قاسية من الصراع الذي لن ينتهي، لكن هذا لم يمنعنا من الاستثمار في حلم الايام الثلاثة، التي سيكون فيها قداسته ضيفا عزيزا على قلوبنا يعزز الامل ولو حتى لساعات قبل ان نعود الى واقعنا المحتوم والمؤكد على ما يبدو..
بين الفلكلور اللبناني وعرض الخيالة الى العرض الضوئي الذي قدم على مدخل باب القصر الجمهوري عن بابا السلام، لحظة جمعت عبق التاريخ بعظمة التكنولوجيا، كل هذا يضعنا ويضع لبنان في مرتبة عالية رغم كل ما يعصف به من فساد ودمار وسرقات.. لقد كان استقبالا فاق التوقعات، ورسم صورة غير نمطية عن وطن في لحظة موت سريري يلفظ انفاسه الاخيرة لكنه مصمم على البقاء، يناضل بغص الزيتون والورد الابيض، يحمل الامل سبيلا للعبور نحو مستقبل افضل وحياة تليق به..
جميل ما عشناه في زمن الحرب وانا على يقين بان الايام الثلاثة التي سيحل فيها البابا لاون ضيفا في رحاب لبنان ستترك في نفوسنا تأثيرا كبيرا، سيزرع الامل الذي سندافع به عن حلمنا ببلد نتمنى ان يصبح بلدا بعد ان يتخلص من اقزام السياسة الذين تفردوا بحكمه وسيطروا عليه لعقود وعقود..
ترى لو كتب لي ان التقي بابا روما واصافحه او احادثه، ماذا كنت لاطلب منه؟!.. وهل يستحق الموضوع التفكير انها كلمة واحدة تختصر حلم لبنان الذي نريد. ايها البابا سخر صلواتك وازرع ايمانك في ارض القداسة وردد في طريقة عودتك “كلن يعني كلن” حتى نحظى نحو ابناء الحياة الحصول على وطن يرتقي الى مستوى احلامنا وطموحاتنا، وطن لا تلطخه ايادي الاقطاعيين الذين حكموه لسنوات..
كما كنت تمنيت عليه ان يحمل في صلاته اليومية دعوة خاصة من قلب طاهر بان يستفيق هذا الشعب العنيد من سباته العميق ويصحو لحقيقة ما اصابه جراء اختياراته السيئة، ويحمل مسؤولية صوته وقرار ويعرف كيف ينزع عنه عباءة الانتماء الاعمى ويبدأ بالمحاسبة والسؤال ويتجرد من اي رضوخ الا لارادة حقيقية تبني لبنان الذي يشبهنا….
ايها البابا بالله عليك لا تنسى لبنان في صلاتك، وتمنى ان تزور بلاد الارز مرة جديدة وفي المستقبل القريب ويكون في استقبالك جيل من الاحرار والوطنيين الذين بنوا الوطن الموحد والمقدس.. لبنان امانة بين يديك ونحن شعب يحتاج الى صلواتك علها تنشر فينا الوعي الحقيقي والملموس…




