سلايدات

بين تناقضات الداخل وتعقيدات الخارج …الشرع أمام تحديات أولها مصالحة وطنية بالفعل لا الشعارات!

كتبت جوانا فرحات في المركزبة:

عشية الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد وانهيار أمبراطورية آل الأسد بعد حكم دام حوالى 54 عاما لا يزال المشهد السياسي والأمني ضبابياً والقلق سيد الموقف في حياة السوريين الذين آمنوا بالتغيير الآتي مع الرئيس أحمد الشرع.

فصحيح أن سوريا عادت سياسياً لتكون دولة فاعلة تفاوض لتحقيق مصالح شعبها، كما نجح أحمد الشرع في رسم صورة جديدة لها، من دولة مصدّرة للكبتاغون إلى دولة تسير نحو استقرارها الداخلي وإعادتها إلى الحضن العربي من خلال تشكيل علاقات مع دول الجوار والدول العظمى بعد أعوام من العزلة الدولية، إلا أن التحدي يبقى في مدى إمكانية إعادة تشكيل بنية مجتمعية متماسكة تترفع فيها الدولة والشعب عن الأوجاع و تقبّل اختلاف الآخر”.
مصادر مطلعة على الشأن السوري تعتبر أن سوريا خرجت من عزلتها الدولية عبر سياسة الشرع المنفتحة على الغرب، والتي أفضت بوساطة سعودية تركية إلى رفع عقوبات قيصر، وما تلى ذلك من لقاءات جمعت الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، إضافة إلى الانفتاح على أوروبا وتحول سوريا من المعسكر الشرقي إلى الغربي بشكل كامل، الأمر الذي يحسب للإدارة الجديدة في سياستها الخارجية. إلا أن ذلك لا يعني أن سوريا باتت بمنأى عن التحديات بسبب التوترات في الساحل السوري والسويداء، إضافة إلى تعنت قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق البلاد في موقفها السياسي والعسكري حول بنود الاتفاق الذي وقع في آذار الماضي، نتيجة لمخاوف داخلية وحالة عدم الثقة. أضف إلى أن العمل السياسي لا يزال معطلا بسبب طبيعة المرحلة الانتقالية”.

يراهن كثيرون على شخصية الشرع الهادئة وقدرته على التواصل مع أطياف متناقضة من المشهد السوري، لكن الواقع يفرض معادلة أكثر تعقيدًا. “فمنذ تولّيه الدور السياسي الأبرز في المرحلة الانتقالية، واجه الشرع تحديات عنوانها الأبرز تفكك الولاءات وتعدد مراكز القوى، سواء داخل قوى المعارضة أو ضمن الفصائل العسكرية التي تحوّلت لاحقًا إلى قوى أمر واقع. وقد حاول منذ البداية تبني خطاب جامع يقوم على استعادة المؤسسات لا إعادة إنتاج نظام جديد، لكن الطريق نحو ذلك ما زال مليئًا بالألغام. وبالتالي لم يعد الصراع في سوريا مجرد خلاف سياسي، بل شبكة مصالح اقتصادية وأمنية متشابكة، تتداخل فيها أدوار قوى إقليمية ودولية لا تزال تعتبر أن “ما بعد الأسد” مرحلة يمكن توجيهها بما يخدم حساباتها. مع ذلك، تضيف المصادر يُسجَّل للشرع أنه استطاع خلال الأشهر الماضية وضع خطوط أولية لحوار وطني ولو بحده الأدنى، إضافة إلى تشكيل نواة إدارة مدنية في بعض المناطق التي عانت من الفوضى”.

يبقى السؤال الجوهري: هل تكفي الإرادة السياسية والشخصية التوافقية لإعادة لملمة بلد مُنهك، أم أن الشرع سيكون محاصرًا بين تناقضات الداخل وتعقيدات الخارج؟تقول المصادر” نجاح الشرع يرتبط بثلاثة شروط أساسية أولها جمع القوى العسكرية تحت مظلة واحدة وإنهاء ازدواجية السلاح، وثانياً ضبط التدخلات الخارجية وفرض معادلة توازن جديدة تمنع أي طرف من احتكار القرار، وثالثا إطلاق مسار مصالحة وطنية  يتجاوز حدود الشعارات ويعالج القضايا العميقة التي فجّرت المجتمع السوري”.

على الصعيد الإقليمي، تلفت المصادر إلى الدعم الأميركي-السعودي الواضح الذي يقوده الشرع بهدف تثبيت الاستقرار ومنع عودة الفوضى. إلا أنه غير كافٍ لأنه يندرج ضمن رؤية دولية تهدف إلى إعادة بناء المؤسسات وإغلاق حقبة الحرب.  وهنا يبرز دور القوى المعطلة وعلى رأسها إيران وحزب الله لمحاولة عرقلة الاستقرار ومنع ولادة نظام جديد قد لا يتوافق مع مصالحهم.

“منذ بداية المرحلة الانتقالية، سعت طهران إلى الحفاظ على نفوذها داخل سوريا عبر شبكات أمنية وعسكرية واقتصادية استثمرت فيها لأكثر من عقد. وعلى رغم تغير المشهد السياسي، لا تزال هذه الشبكات تعمل على خلق مراكز قوى موازية للسلطة الانتقالية، مستخدمةً أدوات تتراوح بين الضغط السياسي وافتعال التوترات الأمنية في بعض المناطق الحساسة. أما حزب الله، الذي خاض حربًا مفتوحة دفاعًا عن النظام السابق، فيبدو اليوم أمام معادلة جديدة: خسارة خط استراتيجي لطالما اعتبره أساسيًا في مشروعه الإقليمي، أو السعي إلى إعادة إنتاج نفوذه داخل سوريا بوسائل مختلفة.

وعملا بقاعدة “فرّق تسُد” تحاول هذه القوى استثمار التباينات داخل المعارضة السورية، وإعادة تغذية الانقسامات المحلية، وإبقاء بعض المناطق خارج السيطرة الكاملة للحكومة الانتقالية، بما يساهم في إضعاف أحمد الشرع وحرمانه من القدرة على توحيد القرار السوري. وفي المقابل، تراهن واشنطن والرياض على شخصية الشرع التوافقية لإعادة بناء توازنات داخلية تمنع التفكك وتحدّ من التدخلات الخارجية.

وتختم المصادر “المعطيات حتى الآن تشير إلى قدرة إيران وحزب الله على تخريب المشهد السوري الجديد، لكنها عاجزة عن إضعاف قلب المعادلة بالكامل.  فالظرف الدولي تغيّر، والدعم العربي- الأميركي لإعادة بناء الدولة السورية بات أقوى، كما أن جزءًا كبيرًا من المجتمع السوري أنهكته سنوات الحرب ولا يريد العودة إلى المربّع الأول.

مع ذلك، لا يمكن التقليل من خطورة هذه التدخلات. فأي شرخ صغير في البنية الانتقالية قد يتحوّل إلى أزمة شاملة إذا لم ينجح الشرع في إحكام سيطرته على الأجهزة الأمنية، وتوحيد القوى المسلحة، واحتواء الصراعات المحلية قبل توسعها. لأن الصراع في سوريا لم يعد مجرد معركة نفوذ، بل معركة بقاء نظام جديد لم يشتدّ عوده بعد. وتبقى المرحلة المقبلة هي الحَكم لمعرفة ما إذا كان الدعم الدولي سيُترجم إلى استقرار دائم، أم أن سوريا ستظل ساحة مفتوحة لحروب الآخرين”.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى