عاجلمقالات

اعتذار الحريري.. في ميزان الربح والخسارة

لبانون عاجل : سعيد الحسنية

على وقع دعوات ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، إلى التعجيل بتشكيل الحكومة الجديدة وفق روح الدستور، عادت لترتفع أسهم توجه الرئيس الحريري إلى الاعتذار. فقد كشفت مصادر صحفية مطلعة ان الرئيس المكلف اتخذ قراره بالاعتذار عن تشكيل الحكومة وأبلغه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي طلب منه أن يتم الاتفاق على بديل كي يكون هناك حد أدنى من حكومة توافقية تلافياً من الوقوع في المحظور والدخول في الفوضى العارمة التي تجعل البلد على قاب قوسين من الارتطام في القعر، في ضوء انعدام المؤشرات على امكانية زيارة الحريري بعبدا، وغياب أي اتفاق على بديل عن الحريري حتى الآن وهو يكمل مشاوراته وليس بوارد تغطية اي بديل، وبات اعلانه الاعتذار مسألة توقيت فقط.

وكان سبق أن عمل على تسويق خيار اعتذاره قائلا، الشهر الماضي، إن الاعتذار عن التكليف “ليس هروبا من المسؤولية بقدر ما هو عمل وطني، إذا كان يسهل عملية تأليف حكومة جديدة، يمكن أن تساهم في إنقاذ البلد”.

وفي المقابل، تؤكد مصادر أخرى، كما ورد في صحيفة “النهار”، ان اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة لم يحسم نهائياً بعد والتشاور مع برّي مستمرّ.

إذن على ما يبدو أن اعتذار الحريري وإدارته الظهر لأزمة تشكيل الحكومة المستفحلة مجرد مسألة وقت، والأمر الذي يؤخر القرار هو حرص الحريري على عدم إغضاب الرئيس بري الذي يصر على طلبه بتقديم الرئيس المكلف اسم بديل عنه ودعمه ومنحه الثقة والميثاقية السنية، ومن هذه المنطلق يتريث الحريري في إعلان اعتذاره.

وكان الرئيس ميشال عون يترقب بالفعل عودة الحريري للعمل على طي الصفحة، سلبا أو إيجاب”. وقال عون، السبت، إنه ينتظر عودة الحريري لـ “الخروج من النفق الأسود”، مضيفا أن “عقد تأليف الحكومة تتوالد.. نحلّ واحدة فتظهر أخرى”، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه “دائما متفائل”.

وقد بات جلياً أن الرئيس الحريري عقد العزم على الإنكفاء وجعل الاعتذار الخيار الأوحد أمامه، محاولاً تسويقه قراره شعبوياً، وتحديداً سنياً، جاعلاً إياه فرصة حقيقية لتحقيق مكاسب شعبية له بدل الخسارة، وتظهيره أنه نصر يحرج فيه خصمه الأساسي رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل، الذي يتلطى خلف الرئيس ميشال عون ولكن السؤال المطروح، ماذا حقق الحريري طيلة فترة تكليفه من مكاسب؟ وماذا خسر؟

في الواقع، وفي ميزان الربح والخسارة بالسياسة، يبدو جلياً أنه بمجرد نجح بالاحتفاظ بلقب الرئيس المكلف الذي يستحيل سحب التكليف منه طيلة الأشهر الماضية، سمح له بتسجيل نصر على العهد من خلال استهلاكه عهد الرئيس ميشال عون وتكبيله بحكومة مستقيلة مشلولة متقاعسة تحرمه من تحقيق أي إنجاز لعهده، وإنه مواجهته العهد “القوي” دون تشكيل حكومة بالشكل التي يسعى إليها عون، أكسبت الحريري نقاط إضافية تظهره بطلاً لم يستسلم للضغوطات ولم يفرط بحقوق طائفته، وبالتالي نجح بدفع عجلة انتهاء عهد العوني من دون حكومة وإنجازات يسجلها له التاريخ.

كما ان خطوة اعتذار الرئيس المكلف قد تمنح الحريري أيضا مجالا للمناورة، فبعد أن نجح بشد عصب الطائفة السنية، سيبتعد ولو إلى حين، عن الساحة السياسية ويتفرغ إلى الاستعدادات للانتخابات النيابية، ويراقب الانهيار الذي سيقع على رؤوس معارضيه، دون أن يكون هو نفسه بموقع المسؤولية، نائياً بنفسه عن كل تلك الأهوال، وفي ذلك مكسب كبير له في السياسة.

ومن جهة ثانية، لا نصر ساحق في السياسة ولا هزيمة منكرة، ولا سيما في بلد يقوم على مواثيق التوافق لا تجعل اي خسارة أو ربح آحادي الجانب، فقد استفاد من غياب حكومة عاملة، فاستغل السلطة وتفرد بها من خلال مجلس الدفاع الأعلى، وتمكن العهد ومن خلفه وتحديداً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فقد استطاعا من خلال كل هذا الصراع  القائم الذي ألبسوا غلاف صراع الحقوق واستماتهم في الدفاع عن صلاحيات المركز المسيحي الأول في البلاد وحقوق المسيحيين، مما ساهم بشد العصب العوني والمسيحي واسترجاع بعض ما خسراه شعبيا عقب استقالة حكومة الرئيس ذياب.

وبالتالي وفي الشكل، سيسجل محور عون – باسيل نصراً بالنسبة له غير متوقع، فقد تكون أثمرت محاولاته وضغوطه على النجاح في أقصاء الحريري، وابعاد خصمه اللدود عن آخر حكومات العهد، وتحديداً حكومة الانتخابات، والتي من المرجح ان تكون حكومة الرئيس ذياب المستقيلة – تصريف الاعمال التي من المتوقع أن تكون هي التي ستشرف على إجراء الانتخابات.

وفي سياق متصل، ومع اقتراب ساعة الصفر لاعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري، وتلبية لشرط رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يسمّي الحريري بنفسه بديلاً عنه، يطفو إلى السطح اسم الرئيس ميقاتي بديلاً مرتقباً للحريري، فبحسب مصادر سياسية بارزة لصحيفة الـ “الأخبار” فقد حصل اتفاق أولي على تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة بعد اعتذار الرئيس المكلف، ولذلك اجتمع الحريري ليل أول من أمس بالرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، من دون حضور ميقاتي الموجود خارج البلاد، وطرح عليهما فكرة “العمل على تسويق ميقاتي”، في وقت يعمل فيه الأخير على ترتيّب الأمر مع الأميركيين والفرنسيين، وإن الجانبين أعطيا الضوء الأخضر للحريري من أجل السير بميقاتي”.

وعودة إلى ذي بدء، يبقى توقيت اعتذار الحريري هو العامل الحاسم الذي يحدد حجم مكاسب لكلا طرفي المواجهة. فالحريري لن يعتذر إلا بعد أن يكرس صورته كبطل منقذ حاول المستحيل لكي يشكل الحكومة ولكنهم “هم ما خلوه”، فيظهر عون-باسيل المعرقل للتشكيل، حارماً عون من أن يظهر بمظهر المنتصر الذي أبعده عن رئاسة الحكومة، ولذلك هو بحاجة إلى أرانب الرئيس بري وترتيباته السياسية وحلوله السحرية.

والسؤال يبقى، ما هو المصير الذي ينتظره اللبنانيين؟ ما الثمن الذي سيدفعه المواطن المسكين نتيجة وقوعه بين فكي كماشة باسيل والحريري؟ وفي حال اعتذار الحريري، ما الضمانة أنه بعد الاعتذار يُسهل الصهر مهمة الرئيس السني الجديد الذي قد يسميه الحريري.

وفي كل الأحوال، لا تزال كل المؤشرات تقول ان لا حكومة جديدة تلوح في الأفق وستواصل حكومة تصريف الاعمال برئاسة حسان دياب مع الرئيس ميشال عون تسيير أمور البلاد والعباد وإن كانت غائبة عن السمع.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى