محليات

معلومات جديدة عن جرم احتيال جديد من قبل بعض المصارف فيما يتعلق بتعميم 158

لبانون عاجل – المصدر: النهار

بعد أن دخل التعميم 158 حيّز التنفيذ، وبعد أن أمل اللبنانيّون باسترجاع بعضا من ايداعاتهم بال Fresh Dollars، وبعدما امتثلت غالبية المصارف للمهلة المنصوص عليها وارسلت رسائل قصيرة عبر الخليوي تدعو العملاء إلى توقيع المستندات المطلوبة في الفروع، أو إنشاء الحسابات الفرعية التي تسمح بتنظيم السحوبات، برزت مشكلة جديدة لم تكن فالحسبان تقضي بضرورة توقيع المودع على رفع السرية المصرفية عن حساباته في حال قرر الافادة من التعميم؛ إذ أن مضمون الكتب التي تعتمدها بعض المصارف والتي وُصفت قانونياً بـ”عقود إذعان” تحمل في طيّاتها ضرباً من ضروب الاحتيال التي لجأ اليها بعض المصارف لخدع المودع بهدف حماية أنفسها، نظراً الى ما تنطوي عليه من ظلم في حق المودع الذي ينوي الافادة من التعميم 158 في مقابل ابراء ذمة المصرف “من أي حق أو مطلب مهما كان نوعه نتيجة تنفيذ مضمون الكتاب… رافعين عنهم أي مسؤولية مهما كان نوعها أو مصدرها، لا سيما إذا ما توقفت عملية التسديد لأي اسباب خارجة عن ارادة المصرف”. هذه الصيغة التي وردت في كتاب لأحد المصارف الكبرى التي وضعت المودع أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التوقيع أو عدم الإفادة من التعميم 158.

هذا الكتاب وفق ما تؤكد مصادر قانونية للنهار “يمثل خطورة لامتناهية في مضمونه وأبعاده ودلالاته، فهو يشكل تعديلا لمنطوق التعميم الرقم 158 لاسيما البند السادس من المادة الثالثة منه، لأن موضوع رفع السرية المصرفية لم يرتبط بموجب هذا الكتاب فقط بموضوع الحساب الفرعي بل شمل كل ما يتعلق “بغايات” تنفيذه، وهذا امر يشكل تعديا مباشرا على الحقوق وتعديلا للتعميم، والأخطر هو ان تعتبر المصارف هذا الكتاب جزءا لا يتجزأ من عقد فتح الحساب، اي الحساب الأصلي، ومن جميع العقود والكتب والمستندات التي وقّعها المودع في المصرف، الأمر الذي يشكل تعديلا آخر من المصرف للتعميم الرقم 158 المستند منها عليه، لانه يحصر تطبيقه بهذا الحساب الفرعي ولم يشمل العقود كافة، وتاليا اصبح هذا الكتاب لا يقتصر في تعديله على العقد الاساس فقط، بل بات يسمح للمصرف بموجبه بإتمام التسديد البدلي بالليرة لكامل الحسابات التي قد تكون مفتوحة وليس فقط هذا المتفرع بموجب التعميم الرقم 158، وهذا امر خطير جدا ويحقق جرم الاحتيال بامتياز”. وإذ نصحت المصادر المودعين بعدم التوقيع على مثل هذه الكتب، أفادت أنها “تمثل بأبعادها شبكة خلاص للمصرف بإتمام تسديد مجمل الحسابات التي قد تكون مملوكة من المودع بصورة وشاكلة التعميم 158 لان العبارة الواردة في السطر الأخير من الفقرة الأولى من الكتاب موضوع التعليق تقول ان “هذا الكتاب يعتبر جزءا لا يتجزأ من عقد فتح الحساب ومن جميع العقود والكتب والمستندات الموقعة من قِبل المودع وفي كل ما لا يتعارض ومضمونه”، اي أن مفاعيله ستنصرف حكماً إلى جميع تلك العقود والكتب والمستندات الموقعة منه”. ووفقا لذلك سألت المصادر: “اذا كان احد تلك العقود يتعلق بتجارة خارجية، هل سيعتبر المصرف ان نصف قيمته هي بالليرة وعندما يوافق على التحويل سيقوم بعملية صرافة مجدداً، ام انه سيعتبر ان قيمة ما يحق له استعماله هو فقط نصف ذلك الحساب؟”. ولاحظت أن الكتاب “يحتوي على لغم يتعلق بإبراء عام وشامل من قِبل المودع للمصرف، إذ إنه عندما يكتشف المودع آثار توقيعه الكارثية على حساباته، سيواجهه المصرف بأنه قد أبرأ ذمته، ورفع المسؤولية عنه”.
“وابدت المصادر خشيتها الشديدة من ان تباشر المصارف تفعيل هذا التعميم لمدة وجيزة، وبعد ذلك تتوقف على العمل به بحجج مختلفة، الامر الذي سينعكس ضرراً محققاً على كل مودع وافق ووقع على مندرجات هذه الكتب، لانه في هذه الحالة يكون قد قبل بتحويل نصف دولاراته الى العملة اللبنانية على سعر 12 الف ليرة، فيما سعر السوق الحرة مرشح للارتفاع، وسيكون المصرف في حِلّ من اي مسؤولية تجاهه بسبب مفعول براءة الذمة الصريحة والشاملة الواردة في متن السطر الأخير من الفقرة الثانية من الكتاب. وهذه الناحية، برأي المصادر، “تطرح عددا من التساؤلات المحقة حول طريقة عمل المصارف واسلوبها”.
كذلك حذّرت المصادر من التوقيع على هذه الكتب واصفةً إيّاها بالمصيدة إذ أنّ هذه الكتب تشكل إمعانا في هتك حرمة النصوص القانونية.
ووفق توصيف رئيس مؤسسة “جوستيسيا” المحامي الدكتور بول مرقص، فإن بعض الكتب التي تلزم المصارف المودع توقيعها بغية الافادة من التعميم 158 هي بمثابة “عقد إذعان”. إلا انه في المقابل أكد انها ليست مخالفة لمضمون التعميم 158، ولكن فيها الكثير من “التوسع” خصوصا ما يتعلق منها بـ “إبراء ذمة المصرف”، وإن كانت المصارف تريد حماية نفسها من أي اعتراض أو شكوى من المودع الذي يفضل العودة الى التعميم 151 (السحب على سعر صرف 3900 ليرة).
ويسأل مرقص ما اذا كان المصرف ينوي ان يعفي نفسه من مسؤولية الضرر اللاحق بعميله بموجب العقود المبرمة معه، وخصوصاً العقود التي درجت المصارف على تسميتها “شروط التعامل العامة.
ويوضح مرقص أن “نماذج العقود المبرمة بين المصارف وعملائها – التي غالبا ما تُطبع خلافاً للأصول بأحرُف صغيرة نكاد لا نقرأُها – ليس من شأنها أن تحمي المصارف بصورة مطلقة أيّا كانت شروط الاذعان التي يضمنها الفريق الأقوى في هذه الحال، أي المصرف، بل من مجرّد الخطأ البسيط. ذلك أنه لا يمكن هذه العقود أن تُعفي المصرف من خطأه الفادح أو الجسيم (Faute Lourde) ومن خطأه المقصود (Faute Intentionnelle) الذي قد يقع فيه مستخدم المصرف أو من الخداع الذي قد يقع فيه العميل بفعلٍ من هذا المستخدم”.
وهذه المسؤولية مكرَّسة في المادتين 138 و139 من قانون الموجبات والعقود اللتين تنصّان على الآتي:
– المادة 138 م.ع: “ما من أحد يستطيع أن يبرئ نفسه ابراء كلياً أو جزئياً من نتائج احتياله أو خطأه الفادح بوضعه بندا ينفي عنه التبعة أو يخفف وطأتها، وكل بند يُدرج لهذا الغرض في أي عقد كان، هو باطل أصلا”.
– المادة 139 م.ع: “إن البنود النافية للتبعة وبنود المجازفة تكون صالحة ومعمولا بها على قدر ابرائها لذمة واضع البند من نتائج عمله أو خطأه غير المقصود، ولكن هذا الابراء ينحصر في الاضرار المادية لا في الاضرار التي تصيب الاشخاص، اذ إن حياة الانسان وسلامته الشخصية هما فوق كل اتفاق”.
على مقلب المودعين، ثمة اجماع على ان التعميم 158 جاء لمصلحة المصارف، وكان ثمة توجه للطعن فيه، وفق ما يقول رئيس جمعية المودعين حسن مغنية، ولكن الاعتراض جاء من صغار المودعين لأنهم يريدون إخراج اموالهم من المصارف، مؤكدا ان “الكتب التي يوقع عليها المودع مع المصرف فيها ظلم للأول على اعتبار أنه يسلم كل اموره للمصرف، وتاليا لا يمكن مقاضاة المصرف أو حتى الاعتراض طوال فترة الافادة من التعميم أي 5 سنوات”، لافتا الى رأي قانوني آخر يقول إنه “يمكن المودع فسخ العقد عبر الاثبات للقضاء أنه وقّعه مكرها على اعتبار أنه في حاجة الى الاموال لكي يؤمّن معيشته”.
ويشرح العضو في رابطة المودعين المحامي” فؤاد الدبس” الشروط التي على المودع “الاذعان” لها وتشكل خطرا على امواله في المصرف كموافقته على عدم المطالبة ببقية أمواله، اضافة الى إلزام المصارف المودعين بإبراء ذمتها قائلا: “لو افترضنا ان لدى المودع 200 ألف دولار في المصرف، فإنه ووفقا للتعميم يحق له “الافادة” من 50 ألف دولار فقط، وتاليا فإنه في حال اراد سحب بقية امواله فإنه سيسحبها على سعر صرف الـ 1500 ليرة”.
ويشير الى اعتراض رابطة المودعين على تعميم مصرف لبنان رقم 158 على اعتبار أنه يشرّع ممارسة “كابيتال كونترول مصرفي” غير قانوني على الودائع وهيركات haircut على قيمتها. “الأول، هو من خلال الحد من السحب من الحسابات وفرض مبالغ هي أصلا غير كافية لاستمرار الحياة في لبنان، ولا لتحريك العجلة الاقتصادية. والثاني، عن طريق التسبب بخسارة المودعين ما لا يقل عن 40% (من قيمة ودائعهم) من خلال منحهم جزءا صغيرا من مدخرات حياتهم بسعر صرف مصطنع، يضاف إلى التضخم المفرط الذي يحدث ويبدد مدخرات الناس وأموالهم”.
وعلى رغم اقتناعه بأن التعميم 158 يساهم في إخراج نحو 80% من المودعين من القطاع المصرفي، وهو أصلا جاء لمصلحة المصارف، إلا أن الدبس يؤكد أنه لا ينص على “كتب الاذعان” التي تفرضها بعض المصارف على المودعين. لذا نصح المودعين بعدم التوقيع على اي عقد أو كتاب من دون الاطلاع عليه ملياً أو اللجوء الى استشارة قانونية، أو حتى الاستعانة بأيّ من محامي رابطة المودعين الذين يحرصون على المساعدة من دون اي بدل في المقابل.”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى