ليبانون عاجل: ريتا أبي نصر
منذ صغرنا، يعلّموننا النّشيد الوطني اللّبنانيّ، يعلّموننا “كلّنا للوطن… للعلى للعلم… “!
كنّا صغار وأحببنا وطننا أكثر ممّا أحبّه الكبار، كنّا صغار وأحببنا وطننا أكثر ممّا نحبّه اليوم ونحن كبار. فرغم أنّنا كنّا غير مدركين آفاق وأبعاد هذه الكلمات، أنشدنا النّشيد في الملاعب و حلمنا أن نصبح كباراً لخدمة الوطن و لرفع إسمه في الأعالي.
أمّا اليوم، في عام ٢٠٢١، نعيد كلمات النشيد و نبحث عن المعاني، نتساءل أين كلّنا ؟ وهل فعلاً نحن كلّنا للوطن؟ فلا نزال لليوم نتقاتل، مع بعضنا على خلفيّات طائفيّة، لا نزال لليوم نتصارع من أجل السلطة و الأموال بكلّ أنانيّة ، لا تزال لليوم تسيطر علينا أفكار العبوديّة و الإستبدادية ، فنحارب بعضنا لأسباب دينيّة ،و نعيق سُبل نجاح و ازدهار الوطن عبر مسائل سطحيّة.
ففي الأعوام الأخيرة، لم نسمع سوى بالحروب و الإغتيالات، غلاء و فقر وارتفاع الدّولار، توترّات أمنية داخليّة، حروب حزبيّة،اشتباكات على الحدود، و انفجارات ضحيّتها شباب و شابات، أمهات و أباء، و في الأخير “كلّنا للوطن؟! “
لو فعلاً المسألة كذلك لما حدث ٤ آب ٢٠٢٠، لما حدث ١٧ تشرين ٢٠١٩، لو فعلاً ” كلّنا للوطن” لما استشهد أبطال الدّفاع المدنيّ، أهالي بيروت ، لما بقيت الحصانات، و لا تستّر أصحاب السلطة على الجريمة المروّعة، كما وعلى المجرمين، و لا كانت تزال ملفات الفساد معلّقة.
لو فعلاً “كلّنا للوطن” ، لما كان هناك شهداء، “شهداء المرفأ” ،”ضحايا نزاع”، بل كان هنالك أبطال أحياء، يرفعون راية الولاء، “شباب لبنان”، بل كان هناك شعباً متّحداً داخليّاً متحدّياً كلّ النزاعات ، من تطرف و من أعداء، كان هناك نموّ و ازدهار داخل البلاد، من العاصمة بيروت، و الجنوب وصولاً إلى الشّمال.
“شيخنا و الفتى عند صوت الوطن” فهل بقي في البلد شباب؟ فشباب بلادي إمّا ضحايا الإنفجار إمّا ضحايا الإنهيار! إذاً عن أيّ فتى نتحدّث؟ فتيان و فتيات دفعوا الثمن غالياً، وباكراً ،كما و دفعوا ثمن أغلاط الكبار، وأنانيّتهم ، واستبداديّتهم و ظلمهم! فأين العدالة في ذلك؟ أين الوطنيّة؟ و كيف بذلك نكون “كلّنا للوطن؟”
لو فعلاً أدركنا معاني كلمات نشيدنا الوطنيّ، لما وصلنا إلى هنا، لكنّا طبّقنا هذه المعاني و الأقوال، حوّلنا الحروف إلى أفعال، و أنجزنا كلمات “رشيد نخلة” و حوّلنا النّشيد إلى إنجاز، و صنعنا عبرة و مثل للأجيال الصغار و برهنّا أنّ الكبار يسهرون على مصلحة الوطن و أن الكبار نحن، فعلاً… “كلّنا للوطن”…!