سلايداتمقالات

إنتحروا.. أنتُم إنتحروا

كتب جوزيف الهاشم في الجمهورية:

في موازاة مناقشة موازنة الدولة السنوية في مجلس النواب، كان مركز «الدولية للمعلومات» قد طرح الميزانية السنوية للإنتحار فأعلن: أنّ نسبة الإنتحار قد ارتفعت 23 في المئـة عمّا كانت عليه، بحيث ترواحت بين 17 و 18 حالـةً شهرياً، عدا الحالات التي لا يتـمّ تسجيلها في محاضر قوى الأمن وهي تفوق ما جاء في الإحصاء الرسمي.

ويذكر التقرير أنّ أسباب الإنتحار تعود إلى تفاقم الأوضاع الإقتصادية والمعيشية والهروب من اليأس.
وفي إحصاءٍ أعلنه مستشفى «أوتيل ديو» أنّ 25 في المئة من اللبنانيين يعانون من اضطرابات نفسية بسبب الحاجات الحياتية.
هذا يعني: أنّ الإنسان، إذا كان يعيش في قلقٍ مادي ومصيري، وهمُّـهُ الأوحد هو بقاؤه وبقاء أسرتـهِ على قيـد الحياة، فالمرضُ عنده بلا علاج، والمائدةُ بلا خبـز، والغدُ بلا أمـل ، والعاملُ بلا عمل، والليل بلا ضـوء، والمستقبل بلا أفـق، فإنّ هذا الإنسان ينكمش في غريزة اللاّبقاء، ويتقلّص فيه طموح العقل إلى مستوى الكفر ويصبح الإنتحار عنده هو الحـلّ.
وبين عظمة العـزّ وحقارة الـذلّ يصبح الإنتحار للذين يعرّضون البلاد للدمار شرفاً رحيماً على غـرار الموت الرحيم.
هكذا، كليوبترا… من أجل أن تُنقـذَ بلادها من ذلّ الإنكسار فضّلت الإنتحار بتعريض ثديَيْـها للأفعى، مثلما ألقتْ أليسار إبنة ملك صـور نفسها في النار حتى لا تعرّض مدينتها لـذلّ الخراب.

بصراحة، لـم يعد هناك مجالٌ للتحكّم بهدوء الأعصاب حيال ما يصيب لبنان والشعب من جنونٍ تاريخي، وحيال خرافة الإستحقاق الرئاسي وخساسة العمل السياسي، في هذه الجهنّمية التي يشتبك فيها الموت والحياة في صراع عنيف.
الإنسان في لبنان، أصبحت «الحياة عنده هي الموت» كما يقول الفيلسوف «الغزالي»، والحكّام والسياسيون والمسؤولون يتسبّبون بالفواجع ويسيرون خلف جنازات الحياة وجنازات الموت، كأنّهم من أهـل الفقيد.
مَـنْ هـمْ الذين كانوا سبب المعاناة من الأمراض النفسية…؟
مَـنْ هـمْ الذين كانوا سبب انتحار الأب الذي يعجز عن تأمين لقمـة عيشٍ لأبنائه الجياع…؟
مَـنْ هـمْ الذين تسبّبوا بانتحار الأم التي جـفّ في صدرها قـوتُ الأطفال وجـفّ في جيبها فلْسُ الأرملة؟
مَـنْ كان وراء مواطنٍ منكوبٍ بماله المسلوب…؟ ومريضٍ يسعى عبَثـاً وراء حبّـة دواء…؟ ويتيمٍ ليقتاتَ يزحف نحو أكوامِ النفايات…؟

من جعل لبنان، الذي كان مصدر عطاءٍ للآخرين تجودُ يـدُه بالسخيّات ويسطع قلمه بالحضارات، فإذا هو اليوم يمـدّ يـده ليستعطي بـذلّةٍ وحياء…؟
ومع أنـه، «لا خيل عنده ولا مـال» فلا يزال هناك من ينافسهُ على أرضـه ويبتـزّ منه مـاء الحياة، كمثل ما يقول جبران خليل جبران: «نحن أمـةّ تُعطي وهي تتسوّل».
من العَبث، أنْ تستمرّ المعادلة بين الذين دمّـروا لبنان وما زالوا يُرزقون فيه ويسترزقون، وبين البؤساء والحزانى الذين تقودهم مآسي الرزق إلى الإنتحار.
قيل: «لـو لم ينتحر هتلر لكانت عبقريّتُـه الغريزية قضَتْ على نصف الكرة الأرضية».
ونقول: لأصحاب العبقرية الغريزية التي قضت على لبنان وعلى اسم لبنان في الكرة الأرضية … لو أنكم أنتم تنتحرون.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى