سلايداتمقالات

بعد الترسيم: “شرعية” دولية للإحتلال الإيراني

كتب عبدالوهاب بدرخان في النهار:

الفوضى السياسية السائدة في لبنان هي “الإنجاز” الذي سهر “حزب إيران/ حزب الله” على تصنيعه ورعايته واستغلاله. بعد أسبوع من الآن سيكون البلد بلا رئيس للجمهورية تكريساً لما بات تقليداً متّبعاً، وفي أفضل الأحوال ستكون هناك حكومة عرجاء إذا تمكّنت اتصالات الساعات الأخيرة من تركيبها، وفي أسوأها ستواصل الحكومة الحالية تصريف الأعمال، في انتظار انتخاب رئيس جديد خلال فترة زمنية غير محدّدة. مهمة “الحزب” في هذه المرحلة أن يمنع وصول أي رئيس يبارك مسبقاً سلاحه غير الشرعي، وأن يحول دون الإصلاحات المطلوبة لتفعيل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، بهدف إبقاء البلد تحت ضغط الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفرض أي صيغة لـ”مؤتمر تأسيسي” يعدّل “دستور الطائف” ويتبنّى النظام الذي يسعى إليه “الحزب”.

 

 

وحده اتفاق #ترسيم الحدود البحرية سيُصار الى تنفيذه، لأن “الحزب” يعتبره نتاج طائراته المسيّرة لا نتيجة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل، وبالتالي فهو ترسيم بين إيران وإسرائيل برعاية أميركية، ولو لم يكن كذلك لما حصل. هذا هو النموذج الذي تبحث عنه طهران منذ أعوام للاعتراف بنفوذها، بشكّل موثّق وعلني، ولم يتحقّق إلا في لبنان. أما الاتفاق السرّي على تقاسم النفوذ وترسيم العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة في العراق فلا يزال موضع تجاذب وتشكيك، لكن إيران استطاعت أن تجيّره لمصلحتها وهي تسعى الى “شراكة” عربية ترضى بشروطها وتوقّع لها على اعتراف موثّق وعلني بهيمنتها. وأما الاتفاق في شأن تقسيم اليمن وتقاسمه فلا يزال في مخاض التفاوض، متأرجحاً بين هدنات ممدّدة انتهت الى هدنة غير معلنة، وبين احتمالات تجدّد القتال بموازين قوى تتحكّم بها عصابات الحوثيين ولم تعد في مصلحة الحكومة الشرعية.

 

فيما تتلهّى القوى السياسية اللبنانية بخلافات ضيّقة وجانبية، بين “التيار العوني” و”القوات اللبنانية”، وبين “السياديين” و”التغييريين” و”التشرينيين” وغيرهم، ترسل إيران الإشارات والرسائل الى “الدول المعنية” بأن “حزبها” هو القوّة الوحيدة التي يُعتدّ بها ويُعتمد عليها لإدارة الدولة اللبنانية، بدليل أنها حرّكت خيار الحرب لتجعل من ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل خياراً سلمياً ممكناً، لكنها تواصل الإمساك بورقتي الحرب والسلم في المطالبة بتصحيح “الخطّ الأزرق” للحدود البرّية واستكماله، مع علمها بأن تصحيحه ممكنٌ بالتفاوض، أما استكماله فلن يُنجز إلا باتفاق غير متاح الآن بين سوريا وإسرائيل، وفي الانتظار تطرح إيران سلاح “حزبها” كقوّة ضامنة ورادعة لا مجال لإعادة النظر فيها مهما بلغت ضغوط “السياديين” وغيرهم. وإذ ترى الدول المعنية ضعف إمكانات التغيير الداخلي (في لبنان أو العراق)، فإن مصالحها تدفعها الى التعامل مع الأمر الواقع الإيراني، سواء كانت تقبله أو ترفضه.

 

إزاء وضع كهذا لا يمكن تخيّل وصول رئيس للجمهورية مطابق لطموحات اللبنانيين. سيأتي المرشّح المجهول/ المعلوم الراضخ لدوام الحال، والموافق مسبقاً على استدامة الاحتلال الإيراني الذي كان وراء التنازل عن الخطّ 29 وإنجاز اتفاق الترسيم، ليصبح في المقابل متمتّعاً بـ”شرعية” أميركية – فرنسية (أوروبية) – إسرائيلية… وإلا فلن يكون انتخابٌ ولا رئيسٌ. سيكون هذا المرشّح، المؤهّل للترئيس، مُلزماً بقبول تعديل “دستور الطائف” لتكريس نظام الاحتلال ليُكافأ بموافقة نظام دمشق على التخفّف من التزاماته واستقبال وفده للبحث في ترسيم الحدود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى