كتب رامي الريس في نداء الوطن:
هل تذكرون «حقوق السحب الخاصة»؟ إنّها المبالغ الماليّة التي نالها لبنان في أيلول 2021 من حصّته في صندوق النقد الدولي وبلغت قيمتها نحو 1،139 مليار دولار. أن يحصل لبنان على هذا المبلغ، رغم تواضعه، في هذا الظرف الاقتصادي والاجتماعي العصيب كان من الممكن أن يكسر حالة التدهور السريع التي تشهدها البلاد على مختلف المستويات.
كان من الممكن مثلاً أن يوفر التمويل لإنشاء محطتيْ كهرباء بقدرة إنتاج عالية تتيح تحديد نقطة البداية لوقف الهدر وتأمين الكهرباء المقطوعة على مدار الساعة عن اللبنانيين. بدلاً من ذلك، ذهبت الحكومة لتسديد مبالغ ضخمة لشراء الفيول أويل لتشغيل محطات الكهرباء التي لن تنجح في منح اللبنانيين بضع ساعات محدودة من التغذية ومن ثم سيعود التقنين الكامل والعتمة الشاملة.
لم يتقدّم لبنان قيد أنملة في ملف الكهرباء. الهيئة الناظمة لم يتم تعيينها بسبب إصرار فريق سياسي على تعديل القانون وتفريغها من صلاحياتها قبل تأليفها (لتماثل هيئة إدارة قطاع النفط التي منع الوزير أعضاءها من التصريح في أول إجتماع له معهم عند تشكيلها وأصبحت اليوم مبتورة بحكم مغادرة بعض أعضائها لبنان للعمل في الخارج).
الهدر الفني وغير الفني في كهرباء لبنان أيضاً لم تتم مقاربته لا من قريب ولا من بعيد. التعدّيات على الشبكة تفاقمت ولم تُحل عقدها. أمّا التعرفة فرفعت، بكل صفاقة، قبل توفير الكهرباء!
تبدو حكومة تصريف الأعمال بعيدة تماماً عن محاكاة الملفات المعقّدة بروح المسؤوليّة الوطنيّة. هي لم تفعل ذلك عندما كانت حكومة مكتملة المواصفات، فكيف ستفعل ذلك في حقبة تصريف الأعمال؟ طبعاً، هذا لا يعني تأييد الجدل المفتعل عن مصادرة صلاحيّات رئيس الجمهوريّة خصوصاً وأنّ الذين يثيرون الغبار السياسي حول هذا الموضوع كانوا، ولا يزالون، من أبرز معطّلي انتخاب خلف للرئيس السابق ميشال عون.
القضيّة تتعلق بعدم قدرة الحكومة رغم عقدها إجتماعين في مرحلة تصريف الأعمال من مقاربة الملفات الحيويّة التي تهم المواطن ومستقبله. التربية مثلاً. ثمّة أجيال من الطلاب اللبنانيين، وغير اللبنانيين، يقبعون خارج المدارس ينتظرهم المجهول بسبب الإضرابات التربويّة وتحركات المعلمين. ماذا سيكون مصير هؤلاء؟
ألم يكن من الأفضل إعطاء الأساتذة حقوقهم وإعادتهم إلى التعليم بدل «حرق» ملايين الدولارات على فيول الكهرباء؟ ألم يكن أجدى، على سبيل المثال، تمويل البطاقة التموينيّة التي ورثتها الحكومة الحاليّة عن سابقتها ولم تحرّك ساكناً فيها؟ ما هذا الترهّل في التفكير والتخطيط والتنفيذ؟
في المقابل، تستمر المهازل النيابيّة. من مهزلة الجلسات المتكررة المملة التي يتم تطيير النصاب فيها عن عمد بما يحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة بعد أشهر من الشغور الرئاسي، إلى مسرحيّة المبيت في المجلس في حركة استعراضيّة لا تقدّم ولا تؤخر وتصب في إطار الخطوات الشعبويّة التي يتوسلها بعض النواب تحقيقاً لمكاسب آنيّة وليس إختراقاً للجمود القاتل الذي يخيّم على البلاد من دون طائل.
عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال عون تأمل اللبنانيون أن يروا نهاية النفق، وهم حتماً لا يتمنون العودة إليه بأي شكل من الأشكال. ولكنّ الترهل الشديد الذي أصاب الرئاسة الأولى في الولاية الأخيرة بفعل السلوكيّات التي كانت بعيدة كل البعد عن الأداء «الدولتي» المسؤول، انتقلت إلى سائر المؤسسات الدستوريّة.
هذا أمر متوقع حصوله. الهبوط الأخلاقي يصبح عميماً عندما تنكسر الإرادة السياسيّة التي تضع المصلحة الوطنيّة على حساب المصالح الفئويّة. ونحن في قعر القعر.