
كتب سعيد الحسنية
هل أن حفلة الجنون التي تشهدها ساحة القضاء اللبناني هي مجرد خطأ مقابل خطأ؟ أم هي خطة شيطانية جهنمية نسجتها الغرف السوداء المحلية والإقليمية وحتى العالمية؟ وهل فعلاً ما يقوم به الكورس اللبناني من قضاة ونواب ووزراء وحتى متظاهرين هو مجرد محض صدفة وعفوي؟ أم أنه تأدية لأدوار مرسومة بدقة على قياس تلك الشخصيات؟ هل أخطأ البيطار، أم أنه لب النداء وأنقذ لبنان من عقوبات ” أنكل سام”؟
بعد سكون دام لأكثر من سنة وثلاثة أشهر، لم يتحرك ملف التحقيق في جريمة العصر قيد إنملة، وفي خضم السقوط المندفع نحو القعر، الذي تشهده بلاد الأرز، ودون سابق إنذار، ظهر المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار بعد طول غياب، ودخل معمعة دهاليز قصر العدل، الفاقد للعدل عن إصرار وتصميم، ليخلط الأوراق ويبدع فكرة أوحيت إليه، فذهب إلى دراسة ومطالعة قانونية واجتهاد مخالف للقانون، مانحاً بموجبه لنفسه شرعية كف الكف عنه والعودة إلى مواصلة التحقيق في قضية تفجير المرفأ، وباغت الجميع بخطوات قد تكون مقصودة، أو غير مدروسة أو مطلوبة منه، في أوقات عصيبة ومراحل تغييرية مصيرية يمر فيها لبنان، الراقد في غرفة الإنعاش، فأصدر سعادته المذكرات، مسابقاً عبرها عقارب الزمن، لتقديم أوراق الاعتماد إلى “العم سام”، وإطلاق سراح الأميركي الموقوف في القضية، ومحاولاً التلطي وراء دموع أهالي الضحايا، وإظهار نفسه كبطل أسطوري خارق لجدار الصمت والباحث عن إبرة الحقيقة في كومة مخلفات تفجير المرفأ، ولكن عن أي حقيقة يبحث؟
هل أخطأ حقا الريس البيطار؟
لنأخذ الأمر بحسن نية، نعم أخطأ، ولم يكن ينفذ أجندات خارجية، ولكنه وقع في شبكة طموحاته وأحلامه وقام بمطالعته تحت تأثير مخدر “الإيغو”، فاصطاده أخصامه الذين ينتظرونه على ضفة النهر، بعد أن وقع في الفخ وقدم لهم الحجة لتنفيذ مخططهم الذي طالما صبروا وانتظروا، مستغلين أي هفوة تُرتكب في الملف، فوجدوا في دراسته، المخالفة للقانون أصلا حسب أراء معظم القانونيين، فرصة سانحة لهم للتفوق عليه والدخول قبل من الكوة التي فتحها في سماء التحقيق، والفوز عليه في السباق نحو حضن الأم الحنونة، وإظهار أنفسهم منقذي الوطن من براثن العقوبات الأميركية التي كانت ستفرض عليه تحت ذريعة الاعتقال التعسفي القسري لمواطن “أميركي”.
حقيقة إن ما يبنى على خطأ فهو خاطئ ويولد خطأ أكبر، استكمل النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، مسلسل الأخطاء القضائية، وسارع باتخاذ سلسلة قرارات وأحكام إخلاء سبيل وإطلاق سراح للموقفين.
السؤال يبقى هل حقاً أن ما جرى مجرد سلسلة أخطاء متتالية، وهي محض صدفة وخطأ بشري؟ أم مجرد خطة “مُؤامراتية” مُحكمة مُفصلة خصيصا لذلك؟
ومهما كان الأمر، فإن حتما ما شهدناه خلال اليومين المنصرمين من صراعات في قصر ” العدل أساس الملك” ما هي إلا مجرد فصول من مسرحية “شكسبيرية” شارك فيها الجميع، وقام بإخراجها رعاة التقاء المصالح بين فريقي الممانعة والعم سام، والجمهور يتفرج بل حتى أن بعضه لم يكتفِ بالمشاهدة، إنما تسلق إلى المسرح، وشارك بعفوية بالرقص على خشبته، مندفعاً خلف عاطفته، محاولاً إيجاد بلسم يضمد جراحه، غير مُدرك نتائج من يُمسك بزمام الأمور ويحرك الستارة ويُعلن عندما يشاء إسدالها.
وطبعا هل يُعقل أن لا يكون لمن يدعي الثورة وما تبقى من 17 تشرين، دور في تلك المسرحية؟ هل يستطيع أولئك “الممثلين على الشعب” أن لا يستغلوا الفرصة المتاحة ليكونوا تحت أضواء الشهرة، وفي وسط الظهور، لإعادة بث أسطوانة شعاراتهم الشعبوية المتهالكة، والتي لم تعد تنطلي إلا على النذر النذير من شعب لبنان العظيم؟
فبعد إخلاء السبيل وتنفيذ الأمر السامي الأميركي- الإيراني، جاء دور نواب التغيير، ليقودوا غزوة “قصر العدل” ويكملوا فصول المسرحية المعهودة ويتصادموا مع القوى الأمنية، فتصير قصة تعرضهم للضرب هي الخبر العاجل والحدث من قلب الحدث، وينسى الناس والجمهور القضية الأساس، قضية تفجير المرفأ التي تم لملمت ذيولها وإغلاق القضية في ليلة “القبض على العدالة”.
نعم أخطأ البيطار
نعم أخطأ عويدات
نعم أخطأ نواب التغيير
نعم أخطأ الجميع
ونجحت المنظومة بما تضم من ثوار موهومين، وسياسيين فاسدين، وأحزاب متهالكة، وسلطة فارغة، ممانعة مدعية، وسفارات ممولة، في دك حصون أحد أخر جناحيي الوطن، حصن الحق والعدل، ونجحوا في تشتيت انتباه اللبنانيين عن ما تقوم به مافيات الدولار والبنزين والدواء والغذاء، وأيضا نجحوا في إلهاء العالم عن الاستحقاق الأكبر وانتخاب الرئيس.