كتب وليد شقير في نداء الوطن:
المكتوب يُقرأ من عنوانه. أن يفكر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «جدياً» كما قال، بأنه «قد» يعلن ترشحه للرئاسة، هو أبرز مثال على عدم الجدية. فهو يدرك سلفاً بأن لا نتيجة من ترشحه، والتذكير بأنه سبق أن أبلغ الحلقة المقربة منه قبل أكثر من ستة أشهر أنه لا حظ له إذا ترشح وأنه لن يجد من يتحدث إليه في هذا الخيار، ليس وحده سبب اعتبار هذا التلويح بأنه ورقة هالكة ومناورة لا وظيفة لها سوى بعض الأوهام التي تراوده، بأنّ هناك من هو مستعد لشراء هذه الورقة منه.
سبق لباسيل أن أبلغ «حزب الله» في اللقاء الذي جمعه به في ميرنا الشالوحي، الإثنين الماضي بهذه الفكرة التي لم يعلّق عليها «الحزب» من باب إهمالها على الأرجح. وتقول الرواية إنّه بعدما قدمت قيادة «الحزب» لباسيل مطالعتها حول أسباب تمسكها بدعم ترشيح رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية، قدم هو مطالعته، المعروفة، حول أسباب رفضه لهذا الترشيح، مستنداً إلى «ورقة الأولويات الرئاسية» التي وضعها «التيار» وجال بها على القوى السياسية منتصف تشرين الأول الماضي وجوهرها الصفة التمثيلية للرئيس العتيد وقدرته على تأمين الشراكة. وحين سألته قيادة «الحزب» عمن يرى أنّ صفاته تتطابق مع المواصفات التي يطرحها، اكتفى بالإجابة أنّ ليس لديه أسماء في الظروف الراهنة، وبأنه سيبحث في الأسماء في إطار اجتماعات المجلس السياسي لـ»التيار» قريباً. واستدرك قائلاً: «على كل حال لم أحسم بعد إذا كنت أنا سأترشح أم لا وهذا يفترض أن يبتّ به المجلس السياسي»… شاء باسيل أن يتذاكى على وفد «الحزب»، رداً على تمسك قيادته بترشيح فرنجية، لكن ردة الفعل كانت كأن ما قاله باسيل لم يقله. فالجميع يعرف، و»الحزب» أولهم، أن باسيل نفسه يدرك أن لا مكان له، على الأقل في هذه الدورة الرئاسية، بين المرشحين. كما سبق للسيد حسن نصرالله أن أبلغه في سياق محاولة إقناعه بخيار فرنجية، بتأكيده له أن حظوظه غير متوفرة.
مفعول مناورة باسيل هو أقل التكتيكات أهمية في لعبة الحراك الرئاسي التي لا تتوقف سواء في اتصالات المرشحين، أو في مساعي بعض الفرقاء لإيجاد مخرج من المأزق، بهدف وقف التدهور الذي تعيشه البلاد.
ربما تخوف رئيس «التيار الحر» من المعطيات التي راجت في الأيام الأخيرة بأن هناك توجهاً عبّر عنه المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري، النائب علي حسن خليل، بأن يتم انتخاب فرنجية بأكثرية النصف زائداً واحداً، في الدورة الثانية من الاقتراع، أي من دون حصوله على تأييد أي من الكتلتين النيابيتين المسيحيتين الوازنتين، حزب»القوات اللبنانية» و»التيار الحر»، اللتين تؤمنان نصاب الثلثين في هذه الحال، وأنّه يمكن أن يكتفي بالحضور المسيحي لتأمين نصاب الثلثين، في الدورتين الأولى والثانية، بما يعني أنّ الكتل التي تحضر وتؤمن نصاب الـ86 نائباً، من دون التصويت له، لن تعترض على حصوله على أكثرية النصف زائداً واحداً.
تقول الرواية الثانية إنّ فريق الرئيس بري يطرح هذا التوجه الذي لم يعترض عليه فرنجية، حتى لو كانت أكثرية أصواته من النواب المسلمين، وهذا ما دفعه إلى التذكير بأن جده انتخب رئيساً بالنصف زائداً واحداً في العام 1970. ويقضي هذا التوجه بموازاة ذلك، (إذا جرى اعتماده)، بتحقيق مراهنة بري ومعه «الحزب» على إقناع كتلٍ منها كتلة «اللقاء الديموقراطي» ونوابٍ مستقلين من دون التصويت له وبعض النواب الأعضاء في تكتل «لبنان القوي»، بتسهيل خيار فرنجية. وتضمنت هذه الرواية أيضاً افتراضاً آخر هو أن تؤدي اتصالات بعيدة من الأضواء بين بري وبين حزب «القوات» إلى إقناع قيادتها بتأمين نصاب الثلثين. وهذا قد يفسر تلويح باسيل بالترشح، بهدف إبقاء جميع نواب تكتله تحت دائرة الالتزام بالتصويت له وعدم تسرب أصوات منهم لمصلحة فرنجية.
وعلى رغم صعوبة ضمان هذا العدد، أي الـ65 صوتاً لإيصال فرنجية فإنّ بعض من تتبعوا أصل هذه الرواية أشاروا إلى أن البطريرك الراعي ليس متحمساً لهذا السيناريو، ما يعني أنّ هذا التوجه قد يفشل، وأنّ بناء باسيل تكتيكاته ومناوراته الدونكيشوتية عليه فاشل أيضاً.
وفي كل الأحوال فإنّ من تداولوا مع «الحزب» بسيناريو كهذا جاءهم الجواب بأن الأمور «لم تنضج بعد». لكن باسيل يخشى نجاح هذا التوجه ولذلك بات يخبط خبط عشواء، ومنها التلويح بالترشح.