كتب رفيق خوري في نداء الوطن:
لا تناسب بين زلزالين: زلزال رهيب ضرب تركيا وسوريا بقوة طبيعية، وزلزال سياسي ومالي وإقتصادي وإجتماعي ضرب لبنان بسطوة المافيا الحاكمة والمتحكمة ولا تزال هزاته الإرتدادية تتوالى. ضحايا زلزال تركيا وسوريا محل إهتمام وتعاطف ومبادرات سريعة في الداخل والخارج للإنقاذ والمساعدة ثم إعادة إعمار ما دمرته الطبيعة. وضحايا الزلزال اللبناني رهينة لدى المافيا المصرة على تعميق الخراب وزيادة المعاناة والسطو على ما بقي لدى الناس، والحرص على الشغور الرئاسي وما يقود إليه من فراغ في السلطة وإمتلاء في تسلط المافيا.
وليس أكثر من الدعوات الى “لبننة” الإنتخاب الرئاسي سوى الدعوات الى الأقلمة والتدويل للإستحقاق الدستوري الذي صار صعباً. ولا شيء يحدث. الطريق الى قصر بعبدا مسدود بقوة الإنقسام الداخلي وعجز كلٍ من “محور الممانعة” و “محور السيادة” عن إيصال مرشحه. “محور الممانعة” بقيادة “حزب الله” مصر على تكرار ما فعله بين 2014 و 2016 من شغور لفرض التسليم بترئيس مرشحه الذي وصلنا على ساعته الى “جهنم”. و “محور السيادة” مصمم هذه المرة على “ممانعة” التكرار. والزلزال يكمل شغله في زيادة المآسي على الناس.
ولا أحد يصدق أن اللبنانيين عاجزون تماماً عن التفاهم على رئيس أو التنافس بين مرشحين في اللعبة الديمقراطية. لكن المافيا تريد تكريس العجز. ولا أحد يصدق أيضاً أن اللبنانيين ضد التدخل الخارجي. لكن التركيبة السياسية مختلفة على نوعية التدخل وهوية المتدخلين. فالتاريخ ناطق.
في السنوات الأولى بعد الإستقلال عن فرنسا كان الدور الأول لبريطانيا. بعد أحداث 1958 كان الدور للتفاهم الأميركي-المصري على يد الموفد الأميركي روبرت مورفي. حتى عندما أتيح للداخل أن يقوم بالدور الأول في الخيار، فإن مصر وأميركا والفاتيكان لم تكن بعيدة منه في المرة الأولى، والإتحاد السوفياتي كان له دور في المرة الثانية. خلال حرب لبنان الطويلة تولت سوريا الدور الأول. ثم تولت إسرائيل الدور الثاني. عشية الطائف جرى رفض الخيار الأميركي-السوري عبر ريتشارد مورفي. بعد الطائف كان التفاهم بين سوريا والسعودية وأميركا، ثم إستأثرت دمشق بالدور. بعد الإنسحاب السوري كان الدور لصيغة إقليمية ودولية كرست موقع “حزب الله” الذي بدأ يتصرف كصاحب الدور الأول وربما الوحيد في إختيار الرئيس.
وما بدت “خيبة أمل” بعد الإجتماع الخماسي العربي والدولي في باريس هي عملياً تعبير عن ضعف التدخل الخارجي الذي لم يأتِ حسب الرهانات عليه. فاللبنانيون عاشوا التدخل الخارجي وتكيّفوا معه وأدمنوه وصاروا يطالبون به علناً. وحين يقول “حزب الله” أنه ضد التدخلات الخارجية، فإن ما يريده عملياً هو إقتصار اللعبة على الدور الإيراني وحده من خلاله.
وبقية القوى موزعة بين من يفضل الدور الأميركي أو السعودي أو المصري أو القطري أو الفرنسي أو الفاتيكاني أو كل هذه الأدوار مجتمعة. غير أن المسألة هذه المرة مصيرية وحاسمة: أن يكون لبنان أو لا يكون.
يقول جان مونيه “مهندس” السوق المشتركة التي صارت الإتحاد الأوروبي: “لا شيء ممكناً من دون الفرد، ولا شيء دائماً من دون المؤسسات”. ونحن في حاجة ماسة اليوم الى نوعية الرئيس العامل على بناء مشروع الدولة عبر مؤسسات قوية.