
كتب المحامي زكريا الغول في اللواء:
أربك الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا الحسابات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومما لا يترك مجالاً للشك فإن تداعيات ما حصل ستترك أثراً على مجرى الأمور ونتائجها ،أقلّها مرحلياً.
بالأمس القريب، كانت تركيا تلعب دوراً مركزياً ومحورياً بين أقطاب الصراع الدائر في أوكرانيا، فقد أضحت حاجة لكلّ من روسيا ومعسكرها، وكذلك الأمر بالنسبة لأميركا وحلفائها، وسياسة أردوغان تلك، إنما تأتي ترجمة لأفكار منافسه الحالي ووزير خارجيته السابق أحمد داوود أوغلو التي صاغها في كتابه: «العمق الإستراتيجي»، وفيه يتحدث عن ضرورة لعب تركيا لدور أكثر تأثيراً على الساحة السياسية بالنظر الى موقعها الإستراتيجي بشكل يختلف عمّا كان يحصل إبان الحرب الباردة، حيث كان الأتراك يكتفون بكونهم أول خط مواجهة أطلسي مقابل المعسكر الشرقي، وقد يكون الرئيس التركي قد استلهم أفكار وزير خارجيته الأسبق وتصدّى لممارسة دور أكثر حيويّة وبراغماتية بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وكانت الانتخابات المزمع عقدها هذا العام، فرصة لأردوغان لتثبيت موقعه على الساحة الدولية بانتظار نتائج تلك الانتخابات، ليأتي الزلزال المدمّر ويبعثر أوراقه بالنظر الى كارثية النتائج الأوليّة، لكن أردوغان الذي أثقلته السنين بالخبرة والحنكة قد يكون قادرا على الخروج من أزماته القادمة، وأهمّها تفاقم الوضع الاقتصادي، لكنّ الأمر مرهون بكيفية إدارته للأزمة، وكيفية مقاربة أخصامه للأمور في مواجهته دون إغفال الدور الأميركي ومراقبته لسير الأمور في أنقرة بسبب تركيز واشنطن على الحرب في أوكرانيا، ودور تركيا المؤثر بالنظر الى موقعها.
أما في الداخل السوري، فالأمور أصعب وأدق، كون بلاد الأمويين غارقة في بحور الدمار والتشتت والتهجير منذ ما يقارب الإثني عشر عاماً، وهي بالنتيجة، غير قادرة على الخروج من أزماتها، بل أتى الزلزال وفاقم الأمور وزاد خطر تزايد أعداد اللاجئين السوريين نحو الخارج، مما يضعف آمال سوريا في الخروج سريعاً من أزماتها.
قد يكون زلزال الشرق الأوسط الطبيعي قد حرف الأنظار مؤقتاً عن المواجهات الدائرة على الأراضي الأوكرانية، وابتعد الاهتمام لفترة عن مجرى الأحداث في الداخل الإيراني، وآخرها ما جرى عبر مسيّرات أميركية أو غير أميركية، لكن سياق الأحداث لن يلبث أن يعود الى سابق عهده من توترات مرتبطة بالصراع المرير الدائر في أوروبا (أوكرانيا)، وإنعكاسه على رمال الشرق الأوسط المتحركة.
فالصورة ضبابية في شرق المتوسط، بدءاً من بيروت وصولاً الى طهران، والدفّة تسير وفق نسق الحرب الأوكرانية وتفاعلاتها، فحكومة اليمين المتشدّد في إسرائيل مأزومة داخلياً، وهنا الخشية من عمل ما للهروب من لهيب الصراع الداخلي، والأمر متوقّف على قدرة واشنطن على كبح جماح نتنياهو وجنونه، وربما قد يكون لتوريد الغاز دورا» أيضاً في فرملة تحركاته.
أما في الداخل اللبناني، فإنّ مجرى وسياق الأمور يسير نحو سرعة الانهيار وسط غياب حلول ناجحة لحكومة ميقاتي، مع اشتداد الانقسام حول انتخابات الرئاسة الأولى، وترقّب لنتاج الخارج ومشاوراته لإخراج تسوية تنعكس إيجاباً على الداخل، غير أن الخارج غارق في صراعاته ويصبّ إهتمامه على التمترس وشحذ الهمم في الحرب الدائرة بين روسيا وأميركا عبر وكيلها الأوكراني، وهنا، يتأكّد موقع لبنان كساحة من ساحات الصراع الدائر في العالم والأقليم، وانجذاب الطبقة السياسية أكثر وأكثر نحو إدخاله وربطه بما يحصل في الخارج.
إن ما يجري على الساحة العالمية حالياً هو صراع إمبراطوريات قديمة بمسميّات جديدة، تخوض حروبها على رقعة الشطرنج الكبرى.