كتب منير الربيع في المدن:
ليس من السهل تحليل الوقائع الاقتصادية والمالية بتداعياتها الاجتماعية في لبنان. الانهيار متسارع، ويحصل من دون أي رد فعل متكافئ معه. تحول الدولار إلى وظيفة مختلفة عن وظيفته الأساسية المرتبطة بمصالح الناس مثلاً. فما يجري هو تحويله إلى سلعة تحتكرها مجموعات لاستثمارها في مجالات أخرى. الهدف من وراء ذلك كله هو الذهاب إلى تخصيص أملاك الدولة أو استملاكها. فقدت الليرة قيمتها الشرائية، وكل ارتفاع إضافي في سعر الصرف أو ارتفاع منسوب التدهور بسعر الليرة، لن يكون له مواكبة بالسرعة نفسها للانهيار الاجتماعي. لكن ذلك سيقود إلى تعطيل فظيع لكل ما تبقى من هياكل الدولة ومؤسساتها. حتى أن الموازنة التي أقرت مؤخراً لم يعد لها أي قيمة أو حساب.
تدخل خارجي؟
كل ذلك يقود إلى تعطيل سياسي، مالي، اجتماعي. وهذا التعطيل سيستمر من دون توقف ومن دون أي أفق، ما قد يؤدي إلى ازدياد حالات التفلت. وسط هذا الواقع تستمر التساؤلات الكثيرة على الساحة اللبنانية حول السبيل إلى وقف هذا التدهور الكبير، وتتعزز الرهانات على حركة خارجية يمكنها أن تحدث خرقاً في هذا المجال، إلا أن ذلك لا يزال غير واضح. من هنا لا بد من طرح سؤال أساسي حول إذا ما كان لبنان يهدد مصالح إقليمية ودولية ما، يفرض تدخلاً خارجياً على خط الأزمة بجدية أكثر مما سبق؟ لا مؤشرات واضحة في هذا السياق، سوى أن التدخل الدولي ينحصر في مصالح معينة، عندما تسعى دولة معينة إلى تحقيقها تدخل بقوة. وبعد إنجازها تعود لتنكفئ. وهذا ما حصل في ملف ترسيم الحدود، أو في ملف إطلاق سراح موقوفي تفجير المرفأ، أو في إيقاف منصة صيرفة، أو حتى توقيف عدد من الصرافين في السوق السوداء، والذين لم يكن الهدف من توقيفهم تخفيض سعر الصرف.
لا بدائل؟
إزاء كل مسار الانهيار القائم، لا بد من ترقب أو توقع حصول رد فعل، لكنه رد فعل متأخر أو متعثر، وكأن هناك من يسعى إلى إشعال الوضع الاجتماعي ليصل إلى الانفجار، لكنه لا يزال يقاوم، أو أن ثمة أموراً أخرى تدفعه إلى البرودة. في المقابل، أيضاً وباعتبار أن السلطة القائمة ميئوس منها، إلا أنه لا وجود لأي بدائل قادرة على لعب دور أساسي في هذه المرحلة. لا بد من صدمة معينة تدفع إلى تغيير المسار، وبغض النظر إذا كان هذا المسار داخلياً أم خارجياً. أما الحاجة إلى تغييره فتفترض وقوع صدمة قوية، وتوافر عوامل متعددة تدفع في اتجاه معاكس. ويمكن لهذه الصدمة أن تتخذ شكلاً امنياً عسكرياً، أو تفرض تدخلاً دولياً وخارجياً أكثر، أو إعادة طرح شعارات تقسيمية سواء بالمعنى السياسي والجغرافي، أو بالمعنى الاجتماعي، كما هو الحال بالنسبة إلى الشعارات التي رفعت في اليومين الماضيين بأن السنّة في لبنان يشعرون باليتم. وهذا له أبعاد عميقة، أبرزها ان إيران ترعى الشيعة، والمسيحيون يحظون برعاية خارجية تاريخية، فيما السنّة لا يجدون من يرعاهم، وبالتالي يعيشون حالة تشتت. وهذا أحد التعابير عن الحاجة الداخلية إلى تدخل إقليمي أو دولي.
إنها مرحلة متوقعة أن يصل إليها لبنان، بشكل يقود الانهيار المالي والاقتصادي إلى تأزيم المسارات. وربما هذا بهدف الوصول إلى تكريس خيار الفوضى الذي يفترض به أن يطغى على الواقع، باعتبار أن لا شيء سيكون قادراً على تغيير الواقع القائم كما حصل في فترات سابقة. ولكن ما هو غير معلوم هو شكل هذه الفوضى. إذ لن تكون عسكرية لأن القدرة العسكرية لدى حزب الله والمتفوقة على الجميع تمنع الذهاب إلى أي خيار عسكري. من هنا يبدو خيار الفوضى الاجتماعية والانفلات هو الأنسب لخلق هذا المسار.