
كتبت سناء الجاك في نداء الوطن:
يعيش اللبنانيون على إيقاع حروب المصطلحات والصلاحيات المتعلقة بما ينتظرهم بعد انتهاء ولاية العهد القوي.
يستمعون إلى المحللين المتخصصين وهم يشرحون نصوص الدستور.
يذهلون من قدرة هؤلاء على الغوص والتبحر والتمعن والتدقيق في كل كلمة ونقطة وفاصلة… ويتساءلون عن كل هذا الغنى في المتن والبنود.
ينبهرون بالإعجاز الذي جمع بين «أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على اي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين»، وبين «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
ويحتارون عندما يفحمهم اللعب على وتر «الميثاقية» بين فريق وآخر من ديناصورات المنظومة أو من المنظرين لفصيلة الديناصورات.
يتابعون القراءات الدستورية بغية قولبتها وفق المصالح والتحالفات.
لعلهم لا ينتبهون إلى أن غالبية الديناصورات تجتهد تحت راية الحاكم بأمره، وترضى بمخالفة الدستور والامتناع عن انتخاب رئيس جديد في المهل الدستورية المحددة، وذلك لأن حدود مساحة اللعب واضحة بالنسبة لها.
بالتالي، يمكن القول إن الحمل ثقيل على وعي اللبنانيين الذين يتأرجحون بين هموم الدنيا والآخرة. فالمعضلة تكمن في هذا الفيض من الثقافة الدستورية والقانونية التي تغرق الهواء، في حين تتفاقم فوق رؤوسهم مشكلات سببها تفاصيل تافهة كالكهرباء والمازوت وأدوية السرطان وأقساط المدارس.
ويتابعون بشغف آخر الإصدارات للفذلكات الدستورية المتعلقة بالأزمة المرتقبة مع حلول 31 تشرين الأول المقبل، وكأنهم يتابعون مباريات كرة القدم بين «ريال مدريد» و»نادي برشلونة».
والمفارقة أنهم حاضرون ليغرقوا في شبر ماء، وينسوا التفاصيل التافهة التي يتعايشون معها، ليتحمسوا لكل ما يساهم في انقسامهم وانعزالهم، ويواصلون بناء خنادق المذهبية القاتلة.
يغفل اللبنانيون ان التحالفات التي تتوضح ملامحها مع بداية العد العكسي للاستحقاق الرئاسي، هي متاريس طائفية جديدة تفرزهم وتعيدهم إلى بدايات الحرب الأهلية، مع تغيير في الترتيب لجهة حقوق الطوائف.
ففي حين يؤكد رئيس حكومة تصريف الأعمال ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي أن «صلاحيات رئيس الدولة ستنتقل مباشرة إلى الحكومة الحالية في حال شغور منصب رئاسي»، تستنفر جوقة الزجل التابعة للعهد القوي، وتنتابها حساسية مفرطة من مصطلح «شغور».
فهي ترى في هذه استخدام المصطلح مؤامرة على المسيحيين، لمصادرة صلاحياتهم وحقوقهم في السلطة، وذلك بغاية للتخفيف من وقع مصطلح «الفراغ» المهول الذي ستسقط فيه الجمهورية اللبنانية بعد مغادرة الرئيس الماروني قصر بعبدا، ليتولى رئيس حكومة تصريف الاعمال السني السلطة كاملة ويصادر موقع الرئاسة ويغتصب حقوق المسيحيين.
وهذا الاستخدام المغرض باب للمؤامرة التي لا يتصدى لها ولن يتصدى لها إلا العهد القوي، حتى بعد وقوع الفراغ الرئاسي المرتقب، الذي يفضل عليه الحلف الجديد/القديم بين رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب، ومعهما «زعيم الدروز» وليد جنبلاط، تفسيراً مغايراً لأن «لا فراغ رئاسي، بل شغور»… و»الدستور واضح بشأن هذه النقطة».
بعبارة أخرى، وطبعاً وفق جوقة الزجل التابعة للعهد القوي، المسلمون يتحالفون ضد المسيحيين…»، وتلك قمة المؤامرة ويا غيرة الدين.
على أي حال، جوقة الزجل ترفض جملة وتفصيلاً هذا «الدستور الذي يرفض الفراغ». وهي لا تخفي سعيها إلى تغييره، ولعل هذا السعي سيترجم بعد انتهاء الولاية، بما يخدم قطعاً استراتيجية الحاكم بأمره ومحوره.
وكما سبقت الإشارة، جميع المتخاصمين يلعبون تحت الراية.
وهل يجد هذا الحاكم فرصة مناسبة أكثر من حروب «الشغور والفراغ» ليستثمر بها، ويصل من خلالها إلى الانقلاب على الطائف والدستور المنتهك والمنهوك بالتفسيرات؟؟