كتبت ميسم رزق في الأخبار:
لم يكن تحرك أهالي الموقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت سبباً في تحريك المياه الراكدة. إذ أن هؤلاء بُحَّت أصواتهم داخل مكاتب القضاة والسياسيين وخارجها مطالبين بالإفراج عن أقاربهم أو على الأقل محاكمتهم بدل إبقائهم قيد الاحتجاز التعسفي، من دون أن يلقوا استجابة من رئيس أو وزير أو قاض. الواضح أن دخول التيار الوطني الحرّ بقوة على الخط فرض واقعاً جديداً تمثل بموافقة مجلس القضاء الأعلى على مبدأ تعيين قاضي تحقيق عدلي رديف في ملف انفجار المرفأ على أن يقترح وزير العدل اسم القاضي تمهيداً لإبداء مجلس القضاء رأيه، وذلك ريثما يتمكن القاضي طارق البيطار من العودة إلى ممارسة مهامه.
فبعدما امتنع العونيون عن «التدخل» لاعتبارات شعبية قبل الانتخابات النيابية، وجدوا أنفسهم مضطرين للإيفاء بوعودهم تجاه من يمثلونهم، وتحديداً أهالي الموقوفين. إذ للمرة الأولى، زار وفد نيابي من أعضاء تكتل لبنان القوي، أمس رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، في قصر العدل، لمناقشة ملف توقيف مدير عام الجمارك السابق بدري ضاهر، ومتابعة قضية الموقوفين. عند الثانية عشر ظهراً، وصل النواب جيمي جبور، شربل مارون، ندى البستاني، جورج عطالله، سامر التوم وسيزار أبي خليل، للوقوف إلى جانب مجموعة من أهالي الموقوفين والإطلاع على آخر المستجدات. غير أن اللقاء لم يمر بسلاسة، بل وقع تلاسن كبير بين نواب التيار وعبّود، بعد اتهامه بالمماطلة والتسويف وإطلاق وعود كاذبة وتعطيل ملف التحقيقات في قضية المرفأ، وهو ما رفضه عبّود مؤكداً أنه «لا يسمَح بمثل هذه الاتهامات».
مما لا شك فيه أن، قرار تعيين قاضٍ رديف عن البيطار لم يأتِ «على عجلة» بفعل تحرك الأمس، بل كان يُحضر له منذ أسابيع وفق ما تقول مصادر «العدلية»، وذلك بالتزامن «مع جلسات مجلس القضاء الأعلى الذي انعقد للبتّ في أمر مرسوم الهيئة العامة لمحاكم التمييز، والذي كان عبّود يقف سداً منيعاً وفي وجه تعديله». لكن السؤال، لماذا قبِل رئيس مجلس القضاء الأعلى بهذا الطرح أخيراً، بعدَ أن كان عرّاب التعطيل، بمنعه أي قاضٍ من إصدار قرار يتعلق بالدعاوى المقدمة ضد البيطار أو طلبات نقل الدعوى من يده إلى قاضٍ آخر، وبتقدّمه جيش المُدافعين عنه ضد من يريد المسّ به؟ وما الذي دفع عبّود إلى التراجع خطوة إلى الوراء؟
عبّود قبل الاقتراح على مضض وحاول قولبة الأمور لمصلحته
بمعزل عن الكتاب الذي أرسله وزير العدل هنري خوري إلى مجلس القضاء الأعلى، مطالباً بتعيين محقق عدلي رديف للبت في الأمور الملحة، مذكراً بسابقة قضائية حصلت عام 2006 (انتداب القاضي جهاد الوادي، الرئيس الأول في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أثناء سفر المحقق العدلي في القضية القاضي الياس عيد خلال العطلة القضائية)، فإن الأسباب الموجبة التي دفعت رئيس مجلس القضاء الأعلى إلى التراجع، تتمثل أولاً في الضغط الذي بدأ يُمارس عليه ليسَ فقط من قبل أهالي الموقوفين، بل أيضاً من أهالي الضحايا. فضلاً عن دخول التيار الوطني الحر على الخط، في حين كانَ دائم التسويق لنفسه بأنه يقف في وجه الثنائي في الملف آخذاً القضية في منحى سياسي – طائفي للاستثمار فيها لاحقاً. وقالت مصادر مطلعة إن «عبّود وجد في هذا الاقتراح حلاً، لأنه لا يزال يرفض رفضاً قاطعاً تعديل مرسوم التمييز وإضافة غرفة يرأسها مسلم، لأنه يعتبرها ورقة رابحة له في السياسة».
وقد أيّد عبّود الاقتراح على مضض، علماً أنه حاول قولبة الأمور لمصلحته، أولاً من خلال «حصر صلاحية المحقق العدلي الجديد بإطلاق سراح الموقوفين، إلا أن ذلك لم يحصل، فجرت الإشارة إلى أنه سيبتّ في الأمور الملحة. ثم حاول عبّود التذاكي بموضوع اختيار الأسماء، بالترويج لفكرة إرسال قائمة يختار فيها من يناسبه من القضاة، وهذا أيضاً أمر غير مضمون، إذ يُمكن لوزير العدل أن ينتدب اسمين فقط وعلى عبّود أن يختار منهما. ومن المفترض أن يرسل وزير العدل الأسماء خلال 48 ساعة، وأن تشهد الأسابيع المقبلة تطورات جديدة قد يكون أولها إطلاق سراح الموقوفين.