كتب إبراهيم حيدر في النهار:
ينتظر المعلمون في المدارس الرسمية إقرار مطالبهم أولاً بدفع المتأخرات عن العام الماضي، وثانياً ما ستقرّره جلسة مجلس النواب في ما يتعلق بإقرار راتب إضافي ورفع بدل النقل إلى 95 ألف ليرة عن الحضور الفعلي، على الرغم من عدم إدراجهما على جدول أعمال الهيئة العامة. ولذا يمكن أن تعلن رابطات الرسمي العودة الى المدارس والثانويات وبدء التدريس الفعلي إذا سارت الامور إيجاباً وهي إقرار حد أدنى من المطالب. لكن حتى لو أقرت الجلسة التشريعية راتباً إضافياً للأساتذة، وهو لا يدخل في صلب الأجر الأساسي، فإن الأزمة ستبقى مستمرّة ما دام الانهيار يتواصل، فيما الغلاء خصوصاً المحروقات ضرب قيمة المساعدات الاجتماعية الممنوحة، وبالتالي سنشهد المزيد من الإضرابات والمقاطعة طلباً لتصحيح الأجور التي يبدو أن الدولة عاجزة ومفلسة ولا قدرة لها على تلبية كل ما تطالب به القطاعات ومن بينها أساتذة الرسمي.
النقطة الإيجابية الوحيدة التي يمكن أن تشكل مدخلاً لإطلاق السنة الدراسية، هي القرار الذي اتخذته رابطتا الثانوي والأساسي للالتحاق بالمدارس والثانويات وتسجيل التلامذة بدءاً من الخميس 15 أيلول الجاري، وهذا يعني التحاق المعلمين بالثانويات والمدارس للتوقيع على سجل الدوام الرسمي، والبدء باستقبال طلبات التلامذة من دون العودة إلى التدريس قبل اتضاح الصورة النهائية للتقدمات. ولا شك في أن هذه الخطوة تشكل مبادرة مهمة للحفاظ على تلامذة المدرسة الرسمية وحماية التعليم، وهي تمت بالاتفاق مع وزير التربية عباس الحلبي الذي أكد دفع المتأخرات قبل نهاية الشهر الجاري، ووعد برفع قيمة المنحة الشهرية من الجهات المانحة بالدولار الأميركي، وكذلك توقيعه مراسيم تتعلق برفع بدل الساعة للمتعاقدين.
الأهم هو قرار فتح المدارس الرسمية والبدء بتسجيل التلامذة، قبل الحديث عمّا يمكن أن تؤول إليه الأوضاع بفعل الأزمات المستمرة، واحتمال امتناع المعلمين عن التدريس وعدم قدرتهم على الوصول الى المدرسة، خصوصاً أن مدارس التعليم الخاص أو معظمها باشرت التدريس وأيّ تأخير في الرسمي سينعكس سلباً على تحصيل تلامذته وعلى المدرسة نفسها التي بالكاد تمكنت من التعويض خلال العام الماضي. ويبدو أن الخطر اليوم لا يقتصر فقط على السنة الدراسية الجديدة بل على التعليم الرسمي نفسه، فإن لم يحصل الأساتذة على نسبة مقبولة مما يعادل غلاء المعيشة والتضخم، وهو ما يعني أضعاف قيمة الرواتب الحالية، فسيستمر المأزق، فيما العودة الى التدريس ستكون عرجاء ما لم تمارس الحكومة دورها باعتبار أن المسؤولية ليست على عاتق وزارة التربية وحدها بل يتحمّلها الجميع.
هناك مسؤولية ايضاً على رابطات الأساتذة، وهي البحث عن سبل جديدة لتحقيق المطالب، والتوجّه نحو عقد تسويات مرحلية. وبينما يبدو واضحاً أن الانهيار مستمر والمؤسسات تتعطل، فإن قرار الإضراب المفتوح يجب أن يأخذ في الاعتبار مصلحة الاكثرية من اللبنانيين وأولئك الذين اختاروا تعليم أبنائهم في الرسمي، فالأزمة ترتد عليهم أمام الدولة المفلسة، وهو أمر لا يُحرج السلطة بل يضع المعلمين في مواجهة المواطنين والرأي العام، عندها يستحيل الإضراب والتعطيل كارثة على الجميع.
الإضراب المفتوح والطريقة التي تدار بها عملية الضغط ليسا لمصلحة الأساتذة حتى الآن. الوقت يضيع والمدارس تنزف وقدرات المعلمين تتراجع، وهو ما يستدعي إعادة نظر في كل الحركة المطلبية، والبحث عن أساليب ضغط مختلفة ضد السلطة وقواها التي تسبّبت بالأزمات، وإعادة مد الجسور مع اللبنانيين المتضررين، للحفاظ على التعليم والمدرسة.