كتب منير الربيع في المدن:
في لبنان، وجهتا نظر تتنافسان. الأولى، تسعى إلى البحث عن تسويات وآفاق جديدة، يمكن من خلالها إعادة تنظيم إنتاج الحكم، عبر الضغط لتشكيل حكومة وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها أو حتى بعد الدخول بفراغ. والثانية، تنطلق من فكرة أن النظام الحالي هو نظام تعطيل ولا بد من الذهاب إلى تعديل دستوري، يشمل كل القطاعات والمؤسسات والإدارات. وهذا لا يمكن حصوله إلا بعد الفوضى الشاملة والانهيار الكامل.
يمتلك طرفا الانقسام أوراقاً لاستخدامها في سبيل تحقيق وجهة نظره. طرف يشدد يومياً على ضرورة تشكيل الحكومة لتجنب سيناريوهات الفوضى، ويستعد للدخول في مسار تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين وترتيب الوضع، وهو حزب الله. وطرف آخر يلجأ إلى كل أساليب التصعيد، ضد أركان الطائف وهو رئيس الجمهورية ميشال عون.
السجالات المسيحية
يعتبر خصوم عون أن كل ما له علاقة بالتهدئة والتسوية سيكون متعارضاً مع مصلحته ومصلحة جبران باسيل، لأن هدف الرجلين هو تجذير الخلاف أكثر، لإعادة خلق معادلات سياسية جديدة، تنطلق من الحسابات الطائفية إلى غيرها. ومن أبرز الأوراق في هذا المجال هي ورقة منع تشكيل الحكومة، لمنع تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئيس. وهي معادلة لا بد لها أن تنسحب على غالبية القوى المسيحية. صحيح أن سمير جعجع أعلن في وقت سابق أن الدستور ينص على مغادرة رئيس الجمهورية للقصر الجمهوري عند انتهاء ولايته، وبموجبه تتسلم الحكومة صلاحيات الرئيس، ولكن ذلك سيكون عنواناً لمعركة أكبر بالنسبة إلى التيار الوطني الحرّ في مواجهة جعجع لإحراجه مسيحياً والضغط عليه.
البطريرك الماروني يرفض التورط في مثل هذه السجالات، ويشدد على ضرورة تشكيل الحكومة. وهو أمر يلتقي عليه مع حزب الله أيضاً، كذلك مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي. يُفترض أن يعمل حزب الله على خطين، الأول هو تكثيف الاتصالات واللقاءات في سبيل الوصول إلى صيغة مرضية للجميع لتشكيل الحكومة. والثاني هو الاستمرار في السعي في سبيل تقريب وجهات النظر بين حلفائه، ولا سيما بين التيار الوطني الحرّ وتيار المردة، وتخفيف التوتر بين الرئيس نبيه برّي وجبران باسيل. وقد استبق نصرالله تلك الخطوة باللقاء مع رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان كنوع من إعادة تجميع القوى والحلفاء، وحاول التدخل مع ارسلان للموافقة على استبعاد الوزير عصام شرف الدين من حكومة ميقاتي قيد التشكيل، مقابل تسمية شخصية أخرى، فيما يقترح ارسلان تسمية صالح الغريب. وهو أمر سيلقى اعتراضاً، لأن الغريب كان مشاركاً في حكومة سياسية ولا تنطبق عليه صفة التكنوقراط.
الاستعراض والاعتراض
كل هذه الخلافات التفصيلية بملف الحكومة، كما بملف الرئاسة، تبقي لبنان مفتوحاً على صراعات متعددة، وهي لا تنفصل عن مشاهد الفوضى أو الاحتجاجات التي تبرز أكثر فأكثر. فبعد اقتحامات المصارف، واستعداداً لمرحلة ما بعد فك الإضراب المصرفي، هناك تفكير لدى مجموعات متعددة في كيفية التعاطي مع هذا القطاع، وإذا ما كانت الاقتحامات ستتكرر أم أن الاحتجاجات ستتخذ أشكالاً جديدة؟
هناك سباق بين مشاهد الاستعراض والاعتراض في الشارع لتثبيت أهداف سياسية، أو فرض أمر واقع معين، يدفع بالجميع للجلوس إلى طاولة المفاوضات.. وبين محاولة القوى السياسية لملمة الوضع قبل انفلاته وإبرام تسويات مرحلية، تبدأ بتشكيل حكومة كخيار بديل عن عدم القدرة على انتخاب رئيس، ولتجنب الدخول في صراعات دستورية سيكون لها آثارها على واقع الشارع والاستقرار.
هذا داخلياً، أم خارجياً فلا يزال هناك رهان لبناني على تحركات القوى المعنية بالملف اللبناني، بالنظر إلى بعض اللقاءات التي سيعقدها ميقاتي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أو اللقاء الذي سيبحث الملف اللبناني بين المسؤولين الفرنسيين والأميركيين والسعوديين في المقر عينه، أو بانتظار اجتماع اللجنة السعودية الفرنسية المشتركة، والتي ستبحث الاستحقاق الرئاسي في الأسبوع الأول من تشرين الأول.