سلايدات

«حزب الله» اختار شراء الوقت

كتب طوني عيسى في الجمهورية:

في إيران، اغتالت إسرائيل غالبية الرؤوس ودمّرت غالبية القدرات العسكرية، كما فعلت في لبنان. لكن نظام طهران، حتى الآن، لم يسقط كما حدث في سوريا. والأرجح أنّ هذا النظام سيختار التنازل لا السقوط. ولكن، لن تكون بسيطة انعكاسات التنازل، بل ستضع حلفاءه الإقليميين، وفي مقدّمهم «حزب الله»، أمام خيارات كلها محرجة أو مؤلمة.

في الساعات الأخيرة، بدا نظام الجمهورية الإسلامية في أضعف موقع له منذ تأسيسه. فالضربات المريعة التي يتلقّاها ستدفعه إلى إعادة تقويم استراتيجياته جذرياً، وتضطره إلى البحث عن حلول ديبلوماسية مرنة، وفق ما طالبه الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ويمكن أيضاً أن يتبدّل سلوكه المستقبلي جذرياً، فيوافق على التراجع عن مشروعه النووي والتوسع في نفوذه الإقليمي.

 

وفي الموازاة، ستؤدي الخسائر التي تكبّدها الرأس في طهران إلى تراجع حتمي في قدرات «حزب الله»، خصوصاً في مجال حصوله على الدعم والتمويل والتدريب والأسلحة. وبديهي أن يضعف دور «الحزب» كذراع إقليمية فاعلة في المحور الإيراني. كما سيضطر إلى إعادة تقويم استراتيجيته السياسية والعسكرية، وسينعكس ذلك على استعداداته لإبرام التسويات في الداخل.

 

بدا سلوك «الحزب» أمس مفاجئاً للبعض. فهو كان هادئاً، ومن الواضح أنّه قرّر اعتماد استراتيجية شراء الوقت، ريثما تنكشف له تداعيات ما يجري مع إيران. وليس سراً أنّ عدداً من القريبين من «الحزب» كانت لهم مآخذ حادّة على إيران لاعتقادهم أنّها تهاونت كثيراً في الردّ على إسرائيل في اللحظة التي كان فيها «الحزب» يحتاج إلى موقف حازم، وتحديداً عندما اغتالت إسرائيل السيد حسن نصرالله والكوادر الكبار. وفي رأي هؤلاء أنّ إسرائيل لم تكن تتجرأ على ضرب إيران اليوم لو أنّ طهران «كشّرت عن أنيابها» من قبل.

 

لقد كان لافتاً أن يستجيب «حزب الله» لطلب الحكومة بعدم الانزلاق إلى الردّ، وأن يقتصر موقفه على استنكار الضربة الإسرائيلية وتقديم التعزية إلى الحلفاء في إيران، من دون الانزلاق إلى موقف عملاني داعم، كما فعل في مناسبات سابقة. وموقف «الحزب» هذا يعبّر عن الآتي:

 

1- اعترافه الضمني بتغيّر موازين القوى. فعدم لجوئه إلى التهديد بالردّ، دعماً لإيران، يعني الإقرار بأنّه ليس في موقف يسمح له بالتصعيد المباشر.

 

2- هذه المرّة، تجنّب «الحزب» جرّ الدولة اللبنانية ككل إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل قد تكون مدمّرة. وهذا يعني أيضاً اعترافه ولو ظرفياً بأنّ قرار الحرب والسلم محصور بالدولة. وهذه المسألة كانت حتى الأمس القريب تشكّل تحدّياً مباشراً للسلطة التي اعتاد «الحزب» ممارستها. وقد يرى البعض أنّ هذا الموقف تكتيكي وظرفي ويشكّل جزءاً من خيار كسب الوقت، انتظاراً لتقويم الموقف الإيراني بشكل كامل وإعادة ترتيب الأوراق، وربما البحث عن استراتيجيات جديدة في ظل الظروف المتغيّرة. لكنه أيضاً قد يصبح موقفاً استراتيجياً وطويل الأمد، ويُبنى عليه، إذا تراجع النفوذ الإيراني بنحو ملموس.

 

وفي الواقع، تتطلّب الخسائر التي مُني بها المحور الإيراني في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط، وقتاً طويلاً من جانب «الحزب»، لإنجاز التقويم الكامل لحجم الضرر الفعلي. كذلك، يحتاج «الحزب» إلى فرصة لإعادة تنظيم صفوفه وتعويض خسائره البشرية والمادية، وربما إعادة تقييم استراتيجياته العسكرية والأمنية، في ظل المتغيّرات الكبيرة التي طرأت على الواقع الإقليمي.

 

السؤال الأساسي هو: كيف ستردّ إيران، وما هي أولوياتها الجديدة؟ هل ستستمر في دعم حلفائها على امتداد رقعة «المحور» بالزخم نفسه أم ستنصرف إلى التركيز على مسائلها الداخلية المعقّدة؟

 

على الإجابات سيتوقف مسار «حزب الله» المستقبلي، ذلك أنّه يحتاج إلى وضوح الرؤية ليتخذ القرارات المصيرية. ولكن، في أي حال، يقول العارفون، هو سيتجنّب الانتحار، لأنّ المعركة مع إسرائيل في ظل الظروف القائمة لا أفق لها. وبالتأكيد، هو سيختار المحافظة على ما تبقّى من قوته الرادعة لأنّها تمنحه القدرة على المناورة مستقبلاً. وفي هذه الفترة، سيحاول «الحزب» استغلال «الوقت المكتسب» للمناورة السياسية.

 

داخلياً، يفترض أن يبدي «الحزب» مرونة أكبر في بعض الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية بهدف تخفيف التوتر. وخارجياً، هو سيحاول الحفاظ على قنوات التواصل مع الأطراف الإقليميين والدوليين لإيصال رسائله وتجنّب مزيد من العزلة. فهذا هو التكتيك الأفضل للبقاء والاستعداد للمستقبل.

 

في المقلب الآخر، سيكون هناك تحد كبير وخطير أمام الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي، هو طريقة استغلال فترة «شراء الوقت» هذه لتحويلها من مجرد «هدنة تكتيكية» إلى فرصة حقيقية لحل الأزمة مع «حزب الله»، ولتعزيز سلطة الدولة وقرار السلم والحرب وحصر السلاح في يدها. وإلى أن يتمكن «الحزب» من تحديد خياراته الجديدة، فاللحظة ستكون عاصفة في لبنان، وقد تحدّد مستقبله لعقود آتية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى